بِحَيْثُ لَا يَفِي بِجَمِيعِ الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَلْيَجْعَلْ النَّقْصَ فِي الْأُمُورِ الزَّائِدَةِ دُونَ الْأَصْلِيَّةِ الْمُهِمَّةِ وَلْيُكْمِلْ لِلْمُؤَذِّنِ وَالْقَيِّمِ وَالْخَازِنِ وَالْبَوَّابِ وَالْقَارِئِ وَالشَّيْخِ وَقُرَّاءِ السَّبْعِ وَطَبَقَةِ الْمُشْتَغِلِينَ وَيُخَصُّ بِالنَّقْصِ وَالْحِرْمَانِ السَّامِعُونَ.
قَالَ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ ذَكَرَ أَنَّهُ يُكَمِّلُ لِهَؤُلَاءِ فَأَشْعَرَ أَنَّهُ لَا يُكَمِّلُ لِغَيْرِهِمْ وَذَكَرَ أَنَّهُ يُخَصُّ بِالنَّقْصِ السَّامِعُونَ فَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا يُنْقَصُ غَيْرُهُمْ فَتَعَارَضَ هَذَانِ الْأَمْرَانِ فِي الْخَادِمِ لِلْأَثَرِ وَعَقَّبَ أَبِي مُوسَى وَالنُّورِيَّةُ هَلْ يُنْقِصُهُمْ بِمُقْتَضَى الْكَلَامِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا بِمُقْتَضَى الْكَلَامِ الثَّانِي؟ لَا يَكَادُ يَتَرَجَّحُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ شَيْءٌ لَكِنَّ النَّفْسَ تَمِيلُ إلَى أَنَّ النُّورِيَّةَ لَا يُنْقَصُ مِنْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ عَلَى أَدْنَى أَنَّ سَبَبَ هَذَا أَنَّهُ أَخَذَ لَهَا شَيْئًا بِعِوَضِهَا عِنْدَ هَذَيْنِ الْأَلْفَيْنِ وَأَيْضًا، فَلَيْسَ هُوَ مِنْ مَصَارِفِ الدَّارِ الْأَشْرَفِيِّةِ وَخَادِمُ الْأَشْرَفِيِّةِ مُخْلِصٌ فَإِنَّهُ بَعْدَ انْقِرَاضِ نَسْلِ رَيْطَارٍ حَصَلَ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى رَأْي النَّاظِرِ.
فَقَدْ سَهَّلَ وَأَوْلَادُ ابْنِ مُوسَى أَمْرُهُمْ مُشْكِلٌ وَيَسْهُلُ عَدَمُ التَّكَمُّلِ لَهُمْ أَنَّ الَّذِي لَهُمْ صِلَةٌ لَيْسَ عَنْ وَظِيفَةٍ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ وَيُخَصُّ بِالنَّقْصِ وَالْحِرْمَانِ السَّامِعُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَظِيفَةُ الْمُشْتَغِلِينَ كَأَنَّهُ قَالَ: طَبَقَةُ الْمُشْتَغِلِينَ لَا طَبَقَةَ السَّامِعِينَ لَمْ يُرِدْ بِالنَّقْصِ وَالْحِرْمَانِ إلَّا هَذَا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى رَبِّ الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَفِي دَلَالَةِ قَوْلِهِ: وَلْيُكْمِلْ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْأَصْنَافِ الَّتِي قَالَ: إنَّهُ يُكْمِلُ لَهَا هِيَ الْأُمُورُ الْمُهِمَّةُ.
وَلَا شَكَّ أَنَّهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا قِوَامُ دَارِ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا أَوْلَادُ رَيْطَارٍ وَذُرِّيَّةُ ابْنِ الصَّلَاحِ وَذُرِّيَّةُ أَبِي مُوسَى فَالْمَصْرُوفُ إلَيْهِمْ صِلَةٌ، فَلَيْسَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُمْ فِيمَنْ يُكْمِلُ لَهُمْ فَالْأَمْرُ فِيهِمْ إلَى خِيرَةِ النَّاظِرِ بَعْدَ التَّكْمِيلِ لِغَيْرِهِمْ مِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يُكْمِلُ لَهُ " وَمِمَّا يَجِبُ النَّظَرُ فِيهِ أَنَّ الْمُشْتَغِلِينَ وَإِنْ بَقِيَ ذُكِرَ أَنَّ لَهُمْ مِمَّا فَضُلَ وَقَدْ لَا يَفْضُلُ لَهُمْ شَيْءٌ، وَلَا يَفْضُلُ عَنْهُمْ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْمُشْتَغِلِينَ لِكَوْنِهِ نَصَّ عَلَيْهِمْ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِمْ، وَإِنْ أَدَّى إلَى مُحَاصَصَةِ غَيْرِهِمْ، لَكِنْ لَا يَجِبُ أَنْ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ، أَمَّا الصَّرْفُ إلَيْهِمْ فَلِمَا قُلْنَاهُ.
وَلَا يُعَارِضُهُ كَوْنُهُ إنَّمَا جُعِلَ لَهُمْ مِنْ الْفَاضِلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ قَالَ: إنْ فَضُلَ فَلَهُمْ اقْتَضَى حِرْمَانَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْفَضْلِ لَكِنَّهُ قَالَ: فَمَا فَضُلَ فَفِي رَهْنِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَفْضُلَ وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ وَاعْتِبَارُهُ نَصَّهُ عَلَى التَّكْمِيلِ لَهُمْ عِنْدَ الضِّيقِ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَسْتَوْعِبُوا عِنْدَ الضِّيقِ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ فَلِأَنَّا حَمَلْنَا كَلَامَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ فَلَمْ يَجْعَلْ الَّذِي لَهُمْ مُقَدَّرًا بِقَدْرٍ لَا يَزِيدُ، وَلَا يَنْقُصُ، بَلْ مَعْنَاهُ مَنْعُ زِيَادَتِهِمْ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَأَيْضًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute