للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسُلَيْمَانُ ضَامِنٌ مَكَّاسٌ.

وَالْأَمْوَالُ الَّتِي فِي أَيْدِي الْمَكَّاسِينَ لَا يَخْفَى حَالُ مِلْكِهِمْ لَهَا وَوَقَفَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَهَذَا الْآنَ مِنْ جِهَةِ الْجَبْغَا وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَهُوَ فِي يَدِهِمْ فَرَأْيِي أَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ، وَلَا يَتَعَرَّضُ إلَيْهِ وَيَسْتَمِرُّ عَلَى التَّصَدُّقِ بِهِ، فَلَوْ أَخَذَ بَعْضَ أَمْوَالِ الْمَكَّاسِينَ الْمُشْتَبِهَةِ وَجُعِلَتْ صَدَقَةً كَانَ لَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مَسَاغٌ فَضْلًا عَنْ شَيْءٍ أُخِذَ بِمُسْتَنِدٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ حَضَرَ كِتَابُ مُشْتَرِي سُلَيْمَانَ فَوَجَدْته قَدْ اشْتَرَى هُوَ وَجَمَاعَةٌ نَصَارَى حِينَ كَانَ نَصْرَانِيًّا عِدَّتُهُمْ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ نَفَرًا الصَّفْقَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ الدِّينِ بْنِ الْمَقْدِسِيِّ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ سَنَةَ ثَمَانِ وَثَمَانِينَ وَسِتِّمِائَةٍ فَلَهُ مِنْهَا بِذَلِكَ حِصَّةٌ يَسِيرَةٌ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ رُفْقَتِهِ فِي سَنَةِ عِشْرِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ الْبَقِيَّةَ.

فَاَلَّذِي اشْتَرَاهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَسِتِّمِائَةٍ لَا يَأْتِي فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَمْوَالِ الضَّمَانِ لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَبَيْعُ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ فِيهِ مَا فِيهِ وَأَيْضًا الْبَائِعُ نَاصِرُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيُّ الْوَكِيلُ وَكَانَ مِسْكِينَ الْحَالِ عَفَا اللَّهُ عَنَّا وَعَنْهُ، وَاَلَّذِي اشْتَرَاهُ فِي سَنَةِ عِشْرِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ اشْتَرَاهُ، وَهُوَ ضَامِنٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الشِّرَاءَ فِي الذِّمَّةِ يَصِحُّ لَكِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ أَمْوَالِ الضَّمَانِ، وَيَتَلَخَّصُ مِنْ هَذَا أَنَّ بَيْعَهُ الْجَبْغَا، أَوْ لِمَنْ بَاعَ لَهُ وَوَقْفَ الْجَبْغَا الْمُرَتَّبَ عَلَيْهِ لَا تَطِيبُ نَفْسِي بِالْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ أَصْلًا بِالْجُمْلَةِ الْكَافِيَةِ.

وَالْحُكْمُ بِوَقْفِ سُلَيْمَانَ خَيْرٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى شِرَاءٍ فِي الذِّمَّةِ وَخَيْرٌ مِنْهُمَا أَنْ لَا يُحْكَمَ بِصِحَّةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَهُمْ يَسْتَحِقُّونَهُ لَكِنَّ ذَلِكَ صَعْبٌ فِي الْعَادَةِ، فَإِنْ جُعِلَ ذَلِكَ مُخَلِّصًا لِلْحَاكِمِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ بِحُجَّةِ وَقْفِ الْجَبْغَا فِي الظَّاهِرِ احْتَمَلَ وَعَضَّدَهُ يَدُ الْجَبْغَا الْمَوْجُودَةُ وَأَنَّنَا لَمْ نُقْدِمْ عَلَى أَمْرٍ، بَلْ سَكَتْنَا، وَلَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ.

هَذَا إنْ حَصَلَ الْوُقُوفُ مِنْ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ بِصَرْفِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِهِ لِسُلَيْمَانَ، فَهُوَ إخْرَاجٌ لَهُ عَنْ حُكْمِ أَمْلَاكِ بَيْتِ الْمَالِ وَتَخْصِيصٌ لِأَوْلَادِهِ فَلَمْ يَحْصُلْ فِيهِ هَذَا الْغَرَضُ وَلَهُ مُسْتَنَدٌ، وَهُوَ كِتَابُهُمْ.

وَفِيهِ شُبْهَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كِتَابَهُمْ إنَّمَا اتَّصَلَ بِالْخَطِّ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ خِلَافٌ فِي الثُّبُوتِ بِالْخَطِّ بِرَفْعِ الْيَدِ أَوَّلًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ بِالْخَطِّ عِنْدَهُمْ ضَعِيفٌ وَاَلَّذِي أَفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَقَوَاعِدِهِمْ أَنَّ فِي مِثْلِ هَذَا تُرْفَعُ الْيَدُ بِهِ، وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى حَيْثُ لَا يَقْوَى لَا تُرْفَعُ الْيَدُ فِيهِ وَهُمْ مَعَاذِيرُ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ بِمَا مَارَسْنَاهُ مِنْ الْوَقَائِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

{فَصْلٌ} قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُخْتَصِرُ كِتَابِ الشَّامِيَّةِ الْجَوَّانِيَّةِ: هَذَا مَا وَقَفَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>