للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُوصَفُ سَائِرُ النَّكِرَاتِ بِسَائِرِ الْجَمَلِ. وَالتَّرْكِيبُ مُحْتَمِلٌ لِثَلَاثَةِ أَعَارِيبَ أَحَدُهَا هَذَا وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبِ صِفَةٍ لِأَهْلِ. وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ جَوَابَ " إذَا " وَالْأَعَارِيبُ الْمُمْكِنَةُ مُنْحَصِرَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ لَا رَابِعَ لَهَا. وَعَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ " اسْتَطْعَمَاهُمْ " وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَمَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْ الْآيَةَ كَمَا تَأَمَّلْنَاهَا ظَنَّ أَنَّ الظَّاهِرَ وَقَعَ مَوْقِعَ الْمُضْمَرِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَغَابَ عَنْهُ الْمَقْصُودُ وَنَحْنُ بِحَمْدِ اللَّهِ وُفِّقْنَا لِلْمَقْصُودِ وَلَمَحْنَا بِعَيْنِ الْإِعْرَابِ الْأَوَّلَ مِنْ جِهَةِ مَعْنَى الْآيَةِ وَمَقْصُودِهَا.

وَأَنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ وَإِنْ احْتَمَلَهُمَا التَّرْكِيبُ بَعِيدَانِ عَنْ مَعْنَاهَا أَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ كَوْنُهُ جَوَابَ " إذَا " فَلِأَنَّهُ يُصَيِّرُ الْجُمْلَةَ الشَّرْطِيَّةَ مَعْنَاهَا الْإِخْبَارُ بِاسْتِطْعَامِهِمَا عِنْدَ إتْيَانِهِمَا وَأَنَّ ذَلِكَ تَمَامُ مَعْنَى الْكَلَامِ وَنُجِلُّ مِقْدَارَ مُوسَى وَالْخَضِرِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - عَنْ تَجْرِيدِ قَصْدِهِمَا إلَى أَنْ يَكُونَ مُعْظَمُهُ أَوْ هُوَ طَلَبُ طُعْمَةٍ؛ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ بَلْ كَانَ الْقَصْدُ مَا أَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَ الْيَتِيمَانِ أَشَدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّك وَإِظْهَارَ تِلْكَ الْعَجَائِبِ لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَجَوَابُ " إذَا " قَوْلُهُ {قَالَ لَوْ شِئْتَ} [الكهف: ٧٧] إلَى تَمَامِ الْآيَةِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُهُ صِفَةً لِأَهْلِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ فَلَا يُصَيِّرُ الْعِنَايَةَ إلَى شَرْحِ حَالِ الْأَهْلِ مِنْ حَيْثُ هُمْ هُمْ، وَلَا يَكُونُ لِلْقَرْيَةِ أَثَرٌ فِي ذَلِكَ وَنَحْنُ نَجِدُ بَقِيَّةَ الْكَلَامِ مُشِيرًا إلَى الْقَرْيَةِ نَفْسِهَا، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ {فَوَجَدَا فِيهَا} [الكهف: ٧٧] وَلَمْ يَقُلْ " عِنْدَهُمْ " وَإِنَّ الْجِدَارَ الَّذِي قُصِدَ إصْلَاحُهُ وَحِفْظُهُ وَحِفْظُ مَا تَحْتَهُ جُزْءٌ مِنْ قَرْيَةٍ مَذْمُومٍ أَهْلُهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُمْ سُوءُ صَنِيعٍ مِنْ الْآبَاءِ عَنْ حَقِّ الضَّيْفِ مَعَ بَيَانِ طَلَبِهِ، وَلِلْبِقَاعِ تَأْثِيرٌ فِي الطِّبَاعِ وَكَانَتْ هَذِهِ الْقَرْيَةُ حَقِيقَةً بِالْإِفْسَادِ وَالْإِضَاعَةِ فَقُوبِلَتْ بِالْإِصْلَاحِ بِمُجَرَّدِ الطَّاعَةِ فَلَمْ يَقْصِدْ إلَّا الْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَلَا مُؤَاخَذَةَ بِفِعْلِ الْأَهْلِ الَّذِينَ مِنْهُمْ غَادٍ وَرَائِحُ فَلِذَلِكَ قُلْت: إنَّ الْجُمْلَةَ يَتَعَيَّنُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى جَعْلُهَا صِفَةً لِقَرْيَةٍ.

وَيَجِبُ مَعَهَا الْإِظْهَارُ دُونَ الْإِضْمَارِ، وَيَنْضَافُ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْفَوَائِدِ أَنَّ " الْأَهْلَ " الثَّانِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا هُمْ الْأَوَّلُ أَوْ غَيْرُهُمْ أَوْ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ، وَالْغَالِبُ أَنَّ مَنْ أَتَى قَرْيَةً لَا يَجِدُ جُمْلَةَ أَهْلِهَا دَفْعَةً، بَلْ يَقَعُ بَصَرُهُ أَوَّلًا عَلَى بَعْضِهِمْ ثُمَّ قَدْ يَسْتَقْرِيهِمْ فَلَعَلَّ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ الصَّالِحَيْنِ لَمَّا أَتَيَاهَا قَدَّرَ اللَّهُ لَهُمَا كَمَا يَظْهَرُ لَهُمَا مِنْ حُسْنِ صُنْعِهِ اسْتِقْرَاءَ جَمِيعِ أَهْلِهَا عَلَى التَّدْرِيجِ لِيُبَيِّنَ بِهِ كَمَالَ رَحْمَتِهِ وَعَدَمَ مُؤَاخَذَتِهِ بِسُوءِ صَنِيعِ بَعْضِ عِبَادِهِ.

وَلَوْ عَادَ الضَّمِيرُ فَقَالَ اسْتَطْعَمَاهُمْ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْأَوَّلَيْنِ لَا غَيْرُ، فَأَتَى بِالظَّاهِرِ إشْعَارًا بِتَأْكِيدِ الْعُمُومِ فِيهِ وَأَنَّهُمَا لَمْ يَتْرُكَا أَحَدًا مِنْ أَهْلِهَا حَتَّى اسْتَطْعَمَاهُ وَأَبَى وَمَعَ ذَلِكَ قَابَلَاهُمْ بِأَحْسَنِ الْجَزَاءِ فَانْظُرْ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>