للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْآخَرِ الصِّحَّةُ وَحَيْثُ صَحَّ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فِي مُدَّةِ الِانْقِطَاعِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَصْرِفِهِ: فَقِيلَ: يُصْرَفُ إلَى الْمَسَاكِينِ وَقِيلَ إلَى مُسْتَحَقِّي الزَّكَاةِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ، وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْأَقَارِبِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ وَاخْتَلَفُوا عَلَى هَذَا هَلْ تَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ، أَوْ لَا، وَإِذَا قُلْنَا: تَخْتَصُّ فَهَلْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، أَوْ الِاسْتِحْبَابِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ لَمْ يُصَحِّحْ الرَّافِعِيُّ مِنْهُمَا شَيْئًا فَحَيْثُ قُلْنَا: فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ بِالصَّرْفِ إلَى وُجُوهِ الْبِرِّ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، أَوْ إلَى الْمَسَاكِينِ فِي الْقِسْمَيْنِ، أَوْ إلَى مُسْتَحِقِّي الزَّكَاةِ فِي الْقِسْمَيْنِ فَذَاكَ وَحَيْثُ قُلْنَا: هُمَا لِلْأَقَارِبِ أَيْضًا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ فَلَا تَعَلُّقَ بِهِ، وَحَيْثُ قُلْنَا: بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَمَّا بِأَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ، أَوْ فُقَرَاءَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ، وَلَمْ يُصَحِّحْ مِنْهُمَا شَيْئًا فَلَا دَلِيلَ لَهُ أَعْلَمُهُ إلَّا مَا ذَكَرُوهُ، وَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ بَلْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ صِلَةً، وَإِنَّمَا الصِّلَةُ مَا كَانَ مِنْهُ هُوَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ تَصَدَّقْ بِهَذَا فَأَعْطَى لِأَقَارِبِ الْمُوَكِّلِ لَمْ يَكُنْ الْمُوَكِّلُ بِذَلِكَ وَاصِلًا لَهُمْ، وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ لَهُ بِهِ أَيْضًا كَقَوْلِهِ أَرَادَ إنَّمَا يَدُلُّ لِلِاسْتِحْبَابِ وَلَمَحْت فِي الصَّرْفِ إلَى الْأَقَارِبِ مَعْنًى غَيْرَ الصِّلَةِ؛ لِأَنَّ الصِّلَةَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ، وَهُوَ قَدْ أَطْلَقَ صَدَقَتَهُ فَكَيْفَ تَكُونُ صِلَةً مِنْهُ وَالْمَعْنَى الَّذِي لَمَحْته أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَهَا لِلَّهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَصْرِفَهَا إمَّا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، أَوْ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فِي الْوَقْفِ الَّذِي الْمَصْرِفُ فِيهِ الْمُنْقَطِعُ، فَهُوَ فِي ذَلِكَ قَدْ جَعَلَ الصَّدَقَةَ لِلَّهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَمِنْ كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى صَرْفُهَا إلَى أَقَارِبِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُجَازَاةً لَهُ فِي الدُّنْيَا مَعَ مُجَازَاتِهِ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ.

(الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ يُعَيِّنَ الْوَاقِفُ سُبُلَهُ، وَيَكُونَ فِي أَقَارِبِهِ مَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِصِفَتِهِمْ إمَّا فِي حَالِ الْوَقْفِ وَإِمَّا بَعْدِهِ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَيُوجَدُ فِي أَقَارِبِ الْوَاقِفِ فَقِيرٌ وَغَنِيٌّ فَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَا يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلصِّفَةِ الَّتِي قَصَدَهَا الْوَاقِفُ مِنْ الْفُقَرَاءِ، وَأَمَّا الْفَقِيرُ، فَإِنْ كَانَ وَارِثًا لِلْوَاقِفِ، وَالْوَقْفِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، أَوْ وَصِيَّتِهِ فَفِي جَوَازِ الصَّرْفِ إلَيْهِ مِنْهُ خِلَافٌ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ، وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ جَوَازُ الصَّرْفِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ بِالْوَصِيَّةِ وَلَكِنْ قَصَدَ الْفُقَرَاءَ، فَهُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْفُقَرَاءِ سَوَاءٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>