للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِي فَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَحْكِي فِيهِ خِلَافًا.

فَإِنَّ الْوَلَدَ يَشْمَلُ مَنْ اتَّصَفَ بِالْوَلَدِيَّةِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا فَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُسَمَّى الْوَلَدِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْأَوْلَادَ ظَاهِرٌ فَإِنْ سَمَّاهُمْ فَكَمَا لَوْ قَالَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَبَكْرٌ وَسَنَذْكُرُهُ، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ فَالْأَوْلَادُ إذَا لَمْ يُسَمِّهِمْ يَقْوَى فِيهِمْ قَصْدُ الْجِهَةِ وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِيهِمْ مَنْ يَحْدُثُ لِلْوَاقِفِ مِنْ الْأَوْلَادِ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْوَقْفِ بِقَوْلِهِ: وَعَلَى مَنْ يَحْدُثُ مِنْهُمْ.

فَإِنْ صَرَّحَ فَلَا خِلَافَ فِي دُخُولِهِ، وَلَا نَقُولُ إنَّهُ يُقَسَّمُ الْحَادِثُ عَلَى الْحَادِثِ وَالْمَوْجُودِينَ عِنْدَ الْوَقْفِ نِصْفَيْنِ بَلْ الْجَمِيعُ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ، وَحَقِيقَةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ الْوَقْفُ عَلَى مُسَمَّاهُمْ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، إلَّا أَنَّ هَؤُلَاءِ يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ وَالْفُقَرَاءَ لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ.

أَمَّا الْوَقْفُ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ فَهُوَ أَبْعَدُ عَنْ مَعْنَى الْجِهَةِ قَلِيلًا فَإِنَّهُ وَقْفٌ عَلَى مُعَيَّنَيْنِ فَلِذَلِكَ جَرَى فِيهِ وَجْهٌ أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ يَنْتَقِلُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَلَكِنْ لَا وَجْهَ لَهُ وَالْقَائِلُ فِيهِ بِالِانْقِطَاعِ أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ بَيَانُ تَصَرُّفِهِ حِينَئِذٍ.

وَلَعَلَّ هَذَا مَأْخَذُ الْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُ يُصْرَفُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ لِلْمَسَاكِينِ مَعَ مُلَاحَظَةِ أَنَّ الْمُنْقَطِعَ يُصْرَفُ لِلْمَسَاكِينِ وَهُمْ لَا يَكَادُونَ يَذْكُرُونَ الْمُنْقَطِعَ وَإِنَّمَا يَقُولُونَ: إنَّ أَصْلَ الْوَقْفِ صَدَقَةٌ لِأَنَّ الْوَاقِفَ يَقُولُ فِي أَوَّلِهِ هَذَا مَا تَصَدَّقَ وَفِي آخِرِهِ صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ.

فَمَبْنَاهُ كُلُّهُ عَلَى الصَّدَقَةِ وَهِيَ لِلْمَسَاكِينِ وَإِنَّمَا الْوَاقِفُ يُقَدِّمُ مَصَارِفَ اشْتَرَطَهَا فَيُقَدَّمُ مَا شَرَطَهُ فَكُلُّ مَا تَعَذَّرَ مِنْهُ صُرِفَ إلَى الْمَسَاكِينِ لَا بِالِانْقِطَاعِ وَإِنَّ الْوَقْفَ لَمْ يَشْمَلْهُ بَلْ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ مُؤَخَّرٌ عَمَّا قَدَّمَهُ الْوَاقِفُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى الْمَسَاكِينِ عَلَى أَنْ يُقَدَّمَ مِنْهُ كَيْتُ وَكَيْتُ.

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَجْعَلُ مَصَارِفَ الْوَقْفِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا الْوَاقِفُ هِيَ الْمَقْصُودَةُ لَا غَيْرُ فَإِنْ وُجِدَتْ لَمْ يَعْدِلْ عَنْهَا وَإِنْ فُقِدَتْ كُلُّهَا كَانَ مُنْقَطِعًا وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ كُلُّهُ مَعْدُومًا وَيَبْقَى أَصْلُ الْوَقْفِ وَهُوَ مَعْنَى الِانْقِطَاعِ فَيُصْرَفُ إلَى اسْمٍ وَالْوَقْفُ عَلَى أَشْخَاصٍ مُعَيَّنِينَ قَدْ يُرَادُ بِهِ مَعْنًى شَامِلٌ لَهُمْ وَهُوَ أَخَصُّ أَوْصَافِهِمْ فَيَصِيرُونَ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْجِهَةِ.

وَلَك بَعْدَ هَذَا تَنْزِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَنْتَزِعَ مِنْهُ قَدْرًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ لَا يَكُونُ أَعَمَّ مِنْهُ فَتَجْعَلُهُ مَوْرِدَ الْوَقْفِ وَيَنْزِلُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَتَقُولُ هُوَ وَقْفٌ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>