للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدَّقِيقَةِ مَالِكًا لِلْأَمْرِ كُلِّهِ فِي الْعَاقِبَةِ يَوْمَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ بَعْدَ الدَّلَالَةِ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمَدِّ بِهِ وَأَنَّهُ بِهِ حَقِيقٌ فِي قَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَاتُهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَحَقَّ بِالْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ (إيَّا) ضَمِيرُ نَصْبٍ مُنْفَصِلٍ وَالْكَافُ لِلْخِطَابِ لَا مَحَلَّ لَهَا وَلَيْسَ بِمُشْتَقٍّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَتَقْدِيمُهُ لِلِاعْتِنَاءِ أَوْ لِلِاخْتِصَاصِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ.

وَالْعِبَادَةُ أَقْصَى غَايَةِ الْخُضُوعِ وَالتَّذَلُّلِ وَمَعْنَاهُ بِالتَّشْدِيدِ عَيْنُ مَعْنَاهُ بِالتَّخْفِيفِ (عَبَّدْت بَنِي إسْرَائِيلَ) ذَلَّلْتهمْ وَعَبَدْتُ اللَّهَ ذَلَلْتُ لَهُ. وَفُسِّرَتْ أَيْضًا بِالتَّوْحِيدِ، أَوْ الطَّاعَةِ، أَوْ الدُّعَاءِ. وَإِيَّاكَ الْتِفَاتٌ مِنْ الْغَيْبَة إلَى الْخِطَابِ؛ لِيَكُونَ الْخِطَابُ أَدَلُّ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ لَهُ لِذَلِكَ التَّمْيِيزِ بِالصِّفَاتِ الْعِظَامِ، فَخُوطِبَ ذَلِكَ الْمَعْلُومُ الْمُتَمَيِّزُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ، وَتَوْطِئَةً لِلدُّعَاءِ. وَالنُّونُ فِي {نَعْبُدُ} [الفاتحة: ٥] لِإِفَادَةِ أَنَّ الْعِبَادَةَ تَسْتَغْرِقُ الْمُتَكَلِّمَ وَغَيْرَهُ، كَمَا أَنَّ الْحَمْدَ يَسْتَغْرِقُهُ.

وَكَرَّرَ {إِيَّاكَ} [الفاتحة: ٥] لِيَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ نَسَقًا فِي جُمْلَتَيْنِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ وَلِلتَّنْصِيصِ عَلَى طَلَبِ الْعَوْنِ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ " إيَّاكَ نَعْبُدُ وَنَسْتَعِينُ " فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ، قَالُوا: وَفِي {نَعْبُدُ} [الفاتحة: ٥] رَدٌّ عَلَى الْجَبْرِيَّةِ وَفِي {نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ.

وَفِي {إِيَّاكَ} [الفاتحة: ٥] رَدٌّ عَلَى الدَّهْرِيَّةِ وَالْمُعَطِّلَةِ وَالْمُنْكَرِينَ لِوُجُودِ الصَّانِعِ. وَتَقْدِيمُ الْعِبَادَةِ عَلَى الِاسْتِعَانَةِ كَتَقْدِيمِ الْوَسِيلَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْحَاجَةِ وَأُطْلِقَا لِتَتَنَاوَلَ كُلَّ عِبَادَةٍ وَكُلَّ اسْتِعَانَةٍ.

وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُرَادَ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ عَلَى أَدَاءِ الْعِبَادَةِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ {اهْدِنَا} [الفاتحة: ٦] بَيَانًا لِلْمَطْلُوبِ مِنْ الْمَعُونَةِ؛ كَأَنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ أُعِينُكُمْ؟ فَقَالُوا {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: ٦] وَالْهِدَايَةُ الْإِرْشَادُ وَالدَّلَالَةُ أَوْ التَّبْيِينُ أَوْ التَّقْدِيمُ أَوْ الْإِلْهَامُ أَوْ السَّبَبُ. وَالْأَصْلُ فِي " هَدَى " أَنْ يَتَعَدَّى إلَى ثَانِي مَفْعُولَيْهِ بِالْحَرْفِ ثُمَّ اتَّسَعَ فِيهِ فَعُدِّيَ بِنَفْسِهِ إلَيْهِ. وَالصِّرَاطَ جَادَّةُ الطَّرِيقِ وَأَصْلُهُ بِالسِّينِ مِنْ السَّرْطِ وَهُوَ اللَّقْمُ وَقَرَأَ بِالسِّينِ عَلَى الْأَصْلِ قُنْبُلُ وَرُوَيْسٌ وَبِإِبْدَالِ السِّينِ صَادًا الْجُمْهُورُ وَهِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ. وَبِهَا كُتِبَتْ فِي الْإِمَامِ وَبِإِشْمَامِهَا زَايًا حَمْزَةُ بِخِلَافٍ وَتَفْصِيلٍ عَنْ رُوَاتِهِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ بِالسِّينِ وَبِالصَّادِ وَالْمُضَارَعَةُ بَيْنَ الزَّايِ وَالصَّادِ وَالزَّايِ خَالِصَةٌ وَأَنْكَرْت عَنْهُ. وَالصِّرَاطُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَيُجْمَعُ فِي الْكَثْرَةِ عَلَى صُرُطٍ. وَفِي الْقِلَّةِ قِيَاسُهُ أَصْرِطَةٌ، إنْ ذُكِّرَ، وَصُرُطٌ إنْ أُنِّثَ. وَالْمُرَادُ هُنَا طَرِيقُ الْحَقِّ. وَهُوَ مِلَّةُ الْإِسْلَامِ، أَوْ الْقُرْآنُ؛ أَوْ الْإِيمَانُ وَتَوَابِعُهُ، أَوْ الْإِسْلَامُ وَشَرَائِعُهُ، أَوْ السَّبِيلُ الْمُعْتَدِلُ أَوْ طَرِيقُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>