لِلْفَتْوَى وَالْحُكْمِ بِهِ.
وَمِنْهَا مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ يَحْصُلُ الْوَرَعُ عَنْ تَقَلُّدِهِ، وَالْقَصْدُ طَاعَةُ اللَّهِ وَإِخْلَاصُ الْعَمَلِ بِمَا يُرْضِيهِ، كَمَا تَوَرَّعْت عَنْ الْحُكْمِ بِهَذِهِ الْمُخْتَلِعَةِ لِهَذَا الرَّجُلِ كَذَلِكَ أَتَوَرَّعُ عَنْ تَمْكِينِهَا بِالِاتِّصَالِ بِغَيْرِهِ حَتَّى تَحْصُلَ فُرْقَةٌ صَحِيحَةٌ بِغَيْرِ لَفْظِ الْخُلْعِ الْمُجَرَّدِ عَنْ النِّيَّةِ عَمَلًا بِاسْتِصْحَابِ الْعِصْمَةِ، وَانْشَرَحَتْ نَفْسِي لِلْحُكْمِ عَلَيْهَا بِالْمَنْعِ مِنْ تَزْوِيجِهَا بِهَذَا الْمُقْتَضَى، وَإِنْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ أَوْ وَضَعَتْ حَمْلًا حَتَّى تَحْصُلَ فُرْقَةٌ صَحِيحَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَعْتَرِضُ جَاهِلٌ بِأَنَّ هَذِهِ:
إمَّا أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لِلْأَوَّلِ فَتُرَدُّ إلَيْهِ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بَائِنَةً فَتُزَوَّجُ بِغَيْرِهِ لِأَنِّي أَقُولُ: الظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهَا زَوْجَةٌ وَلَكِنَّ مَرَاتِبَ الظُّهُورِ مُتَفَاوِتَةٌ، وَهَذَا الظُّهُورُ الَّذِي حَصَلَ عَارَضَهُ فَتْوَى أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِخِلَافِهِ وَعَضَّدَهُ الدَّلِيلُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ دَلِيلًا قَطْعِيًّا بَلْ ظَنِّيًّا، وَمَرَاتِبُ الظُّنُونِ مُتَفَاوِتَةٌ كَذَلِكَ. وَهَذَا لَيْسَ مِنْ أَعْلَاهَا وَالْأَبْضَاعُ يُحْتَاطُ لَهَا فَكَمَا نَحْتَاطُ فَلَا نَرُدُّهَا إلَى هَذَا الرَّجُلِ كَذَلِكَ نَحْتَاطُ فَلَا نُبِيحُهَا لِغَيْرِهِ وَهِيَ أَوْقَعَتْ نَفْسَهَا فِي ذَلِكَ فَأَمَّا أَنْ تَرْضَى بِرُجُوعِهَا إلَى زَوْجِهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ يُزِيلُ الشُّبْهَةَ، وَإِمَّا أَنْ تَصْبِرَ وَإِمَّا أَنْ نُوَافِقَهَا عَلَى إنْشَاءِ طَلَاقٍ بَائِنٍ تَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْهُ.
وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: إلَى أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ سُلْطَانٍ وَاحْتَجَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] وَلِهَذَا أَشَارَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إلَى مُخَالَفَتِهِمَا بِقَوْلِهِ: يَجُوزُ الْخُلْعُ بِسُلْطَانٍ وَغَيْرِ سُلْطَانٍ، وَذَهَبَ الزُّهْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إلَى ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ فِي الْخُلْعِ وَوَافَقَهُمَا أَبُو ثَوْرٍ إذَا كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ.
فَإِذَا فُرِضَ اخْتِيَارَ هَذَا الْمُخَالِعِ لِلرَّجْعَةِ قَوِيَ تَمَسُّكُهُ بِهَا، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ تُوجِبُ التَّوَقُّفَ عَنْ إبَاحَتِهَا لِلْأَزْوَاجِ، وَالظُّهُورُ الَّذِي عِنْدِي مِنْ اسْتِصْحَابِ الْعِصْمَةِ الْأُولَى كَافٍ فِي مَنْعِهَا مِنْ التَّزْوِيجِ حُرْمَةً لِلْأَبْضَاعِ مَعَ مَا عَضَّدَهُ مِنْ ذَلِكَ وَتَضْعُفُ مُعَارَضَةُ فَتْوَى الْأَكْثَرِينَ بِخِلَافِهِ فِي هَذَا الظَّرْفِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّا نَأْخُذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْجَانِبَيْنِ فَإِنْ قَالَ: الِاحْتِيَاطُ لَا يَكُونُ لِلْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ.
قُلْت: حُكْمِي بِمَنْعِهَا مِنْ التَّزْوِيجِ حُكْمٌ بِمَا ظَهَرَ لِي وَلَا مُعَارِضَ لَهُ إلَّا فَتْوَى الْأَكْثَرِ وَلَيْسَتْ مُعَارِضَةً قَوِيَّةً فَلِذَلِكَ يَنْشَرِحُ صَدْرِي لِلْحُكْمِ فِي هَذَا الظَّرْفِ وَالْحُكْمِ بِرَدِّهَا إلَى الْأَوَّلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute