حَصَلَ مُقْتَضَاهُ عَنْ الشَّرْطِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا الْمُعَلَّقَةِ بِالْمَشْرُوطِ، وَمَنْ مَنَعَ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالصِّفَاتِ مُطْلَقًا فَقَدْ الْتَبَسَ عَلَيْهِ التَّعْلِيقُ بِتَعْلِيقِ الْإِنْشَاءِ فَظَنَّ أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ مِنْ الثَّانِي وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْأَوَّلِ وَقَدْ عَلَّقَ اللَّهُ إحْلَالَ امْرَأَةٍ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هِبَتِهَا نَفْسَهَا لَهُ وَإِرَادَتِهِ اسْتِنْكَاحَهَا وَإِنْ خَرَجَ الْيَمِينُ فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ تَعْلِيقٌ خَاصٌّ فَيَجِبُ ثُبُوتُ حُكْمِ التَّعْلِيقِ الْعَامِّ لَهُ.
الثَّانِي {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: ٧] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ: أَنَّ الْمُلَاعِنَ يَقْصِدُ بِهَذَا الشَّرْطِ التَّصْدِيقَ فَهُوَ خَارِجٌ مَخْرَجَ الْيَمِينِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مُوجَبُ اللَّعْنَةِ وَالْغَضَبِ عَلَى تَقْدِيرِ الْكَذِبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إنَّهَا مُوجِبَةٌ وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى ذَلِكَ الْكَفَّارَةَ لَكَانَ الْإِتْيَانُ بِالْقَسَمِ أَوْلَى.
(الثَّالِثُ) أَنَّ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَأَشْعَارِ الْعَرَبِ وَكَلَامِ الْفُصَحَاءِ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ الَّتِي الْحَثُّ أَوْ الْمَنْعُ أَوْ التَّصْدِيقُ مَا لَا يُحْصَى مَعَ الْقَطْعِ بِحُضُورِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا عِنْدَ الشَّرْطِ.
(الرَّابِعُ) أَنَّ تَسْمِيَةَ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ يَمِينًا لَا يَعْرِفُهُ الْعَرَبُ وَلَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي حُكْمِ الْأَيْمَانِ وَأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلتَّكْفِيرِ.
(الْخَامِسُ) أَنَّ هَذَا التَّعْلِيقَ وَإِنْ قُصِدَ بِهِ الْمَنْعُ فَالطَّلَاقُ مَقْصُودٌ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَلِذَلِكَ نَصَبَهُ الزَّوْجُ مَانِعًا لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا امْتَنَعَ، وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي كَوْنِ الطَّلَاقِ غَيْرَ مَقْصُودٍ لِلزَّوْجِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمَقْصُودًا لَهُ عَلَى تَقْدِيرٍ وَإِذَا كَانَ مَقْصُودًا وَوُجِدَ الشَّرْطُ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى مُقْتَضَى تَعْلِيقِهِ وَقَصْدِهِ.
(السَّادِسُ) أَنَّهُ عِنْدَ الشَّرْطِ يَصِحُّ اسْمُ التَّطْلِيقِ لِمَا تَقَدَّمَ فَيَنْدَرِجُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] . وَالسَّابِعُ أَنَّ التَّطْلِيقَ مُفَوَّضٌ إلَى الْعَبْدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] وَهُوَ أَعَمُّ مَنْ الْمُنَجَّزُ وَالْمُعَلَّقُ فَيَنْدَرِجُ الْمُعَلَّقُ تَحْتَ الْآيَةِ.
(الثَّامِنُ) الْإِجْمَاعُ نَقَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمْ. فَإِنْ قُلْت يَرِدُ عَلَيْك أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ نَذْرِ الْحَاجِّ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ يَتَخَلَّصُ مِنْهُ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَالثَّانِي فِي دَعْوَاك الْإِجْمَاعَ. وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ النَّاسِ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute