تَخْرُجُ لِذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ مَا تُرِيدُ لِحَاجَةٍ وَلِغَيْرِ حَاجَةٍ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ؛ لِأَنَّ إفْرَادِ غَيْرِ تِلْكَ الْحَالَةِ لَمْ يَدْخُلْ فِي السُّؤَالِ وَلَا فِي الْجَوَابِ فَكَيْفَ يَكُونُ عَامًّا فِيهَا.
وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ مِيزَانٌ كَقَوْلِنَا: تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ. وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا قُلْنَاهُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ فَهِمَ تَنْزِيلَهُ عَلَى كُلِّ صُورَةٍ سِوَاهَا وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ هَلْ عَلِمَ أَوْ مَا عَلِمَ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لَا نُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ النُّطْقِ بِالْعَامِّ فِي جَزَاءِ شَرْطٍ فَالْوَاقِعَةُ بِعُمُومِهَا كَالشَّرْطِ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالْجَزَاءِ دَعْ يَحْصُلُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ كَالنُّطْقِ بِالْعَامِّ ابْتِدَاءً.
وَأَمَّا وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا وَاقِعَةٌ مُجَرَّدَةٌ عَنْ لَفْظِ الشَّارِعِ فَلَا حُجَّةً فِيهَا مَا قَالَهُ الْمَذْكُورُ مِنْ احْتِمَالِ الْعِلْمِ قَالَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي الْمَحْصُولِ عَلَى جَلَالَتِهِ وَنَحْنُ نُخَالِفُهُ وَنَقْتَدِي بِمَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْهُ وَهُوَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاَلَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ تَقْيِيدٌ لِنَوْعِ حَاجَةِ الْخُرُوجِ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ بِمَنْ تَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدٌ لِغَيْرِ ذَلِكَ النَّوْعِ وَنَحْنُ قَدْ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجَ لِأَنْوَاعٍ: مِنْهَا النَّفَقَةُ وَتَحْصِيلُهَا وَمِنْهُ الْحَدِيثُ لَيْلًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةً قَوِيَّةً، وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي طِبَاعِ الْبَشَرِ فَرُخِّصَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، وَمِنْهَا جِدَادُ النَّخْلِ وَشِبْهُهُ مِمَّا يُقَاسُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ، بَقِيَ هُنَا نَظَرٌ آخَرُ لَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَهُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يُسْأَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ امْرَأَةٍ صِفَتُهَا كَذَا فَيُجِيبُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُ فِيهِ بِالْعُمُومِ لِكُلِّ مَنْ كَانَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ شَخْصًا مَخْصُوصًا بِهَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ خَالَةُ جَابِرٍ.
وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهَا أَنَّهَا مِمَّنْ لَيْسَ كَافٍ كَذَلِكَ وَأَنْكَرَ عَلَيْهَا وَجَاءَتْ تَسْأَلُ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ الْمُخَدَّرَاتِ اللَّوَاتِي مِنْ عَادَتِهِنَّ عَدَمُ الْخُرُوجِ فَلَا نَرَى تَعْدِيَةَ جَوَازِ ذَلِكَ إلَى كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ بَلْ تَعُمُّ خَالَةَ جَابِرٍ وَمَنْ كَانَتْ فِي مِثْلِ حَالِهَا وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تُكَلَّفُ وَيَحْصُلُ لَهَا مَنْ يَكْفِيهَا فَهَذَا لَا يَجِبُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تُكَلَّفُ تَرْكَ الْحَدِيثِ بِاللَّيْلِ مَعَ صَوَاحِبَاتِهَا وَلَمْ يُوجِبْهُ الشَّرْعُ عَلَيْهَا وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا قَدَّرْنَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ: التَّقْدِيرُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ خَالَةِ جَابِرٍ فَأَبَاحَ لَهَا فَنَقِيسُ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ مِثْلُهَا وَيَعُمُّ الْأَحْوَالَ مِنْ وُجُودِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute