للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْإِقْرَارِ دُونَ الْبَيِّنَةِ وَالْبَيِّنَةُ مُؤَكِّدَةٌ لِذَلِكَ الزِّنَا لَا مُثَبِّتَةٌ لِلْحَدِّ وَالْحَدُّ الثَّابِتُ بِالْإِقْرَارِ يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ هَكَذَا قَالَهُ فِي الزِّنَا وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ مِثْلُهُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي السُّقُوطِ بِالرُّجُوعِ قَالَ: فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِالزِّنَا فَرَجَعَ عَلَيْهِ وَسَأَلَ فَقَالَ: صَدَقَ الشُّهُودُ وَثَبَتَ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ فَلَا حُكْمَ لِلْبَيِّنَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمْلَقَ تَكْذِيبَ الشُّهُودِ وَالطَّعْنَ بِحَيْثُ تَرَكَ ثَبْتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذَا غَلَطٌ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ، أَلَا تَرَى فِي الِابْتِدَاءِ لَوْ أَنْكَرَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ كَذَا إذَا صَدَّقَهُمْ، ثُمَّ أَنْكَرَ وَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ وَلَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: سَقَطَ الْقَطْعُ دُونَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ فَهُوَ كَحَدِّ الزِّنَا وَبِهِ فَارَقَ الْقَوَدَ. وَالثَّانِي لَا يُقْتَلُ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ مَحْضٌ لِلَّهِ تَعَالَى يَأْمُرُ بِالسِّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. فَأَمَّا فِي السَّرِقَةِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْإِقْرَارِ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ فَلَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ بِالرُّجُوعِ. قُلْت: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَعَلَيْهِ فَرَّعْنَا اشْتِرَاطَ مَا ذَكَرْنَاهُ.

وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَبْسُوطِ: وَإِذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ، ثُمَّ هَرَبَ لَمْ يُطْلَبْ وَإِنْ كَانَ فِي قَدْرِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَرَبَهُ دَلِيلُ رُجُوعِهِ وَلَوْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ لَمْ يُقْطَعْ فَكَذَا إذَا هَرَبَ وَلَكِنَّهُ إذَا أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ ضَامِنًا لِلْمَالِ كَمَا لَوْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْقَطْعُ بِهِ دُونَ الضَّمَانِ، وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ السَّرَخْسِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ بِالْهَرَبِ يَسْقُطُ الْقَطْعُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَنَحْنُ نُوَافِقُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ وَلَا يُتْبَعُ كَالزَّانِي وَهَذَا الْحُكْمُ خَطَرَ لِي تَفَقُّهًا وَلَمْ أَجِدْهُ مَنْقُولًا فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ إلَى الْآنَ، وَإِنَّمَا رَأَيْتُهُ فِي كَلَامِ السَّرَخْسِيِّ هَذَا، وَهُوَ قِيَاسُ الزِّنَا، وَكَوْنُ حَدِّ السَّرِقَةِ يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ كَحَدِّ الزِّنَا وَيَقْتَضِي أَنَّ بَعْدَ هَذَا شَرْطًا آخَرَ رَابِعًا وَثَمَانِينَ وَإِذَا ضَمَمْنَاهُ إلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ نَقْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ عَنْ ابْنِ الْمَرْزُبَانِ فَإِطْلَاقُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ، ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ، ثُمَّ هَرَبَ لَا يُطْلَبُ، وَكَذَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ، ثُمَّ أَقَرَّ، ثُمَّ رَجَعَ أَوْ هَرَبَ عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ فَيُعَدَّانِ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فَيَكُونُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ وَلَا هَرَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>