فِي ثَلَاثِينَ وَنِصْفٍ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ لَا يَكُونُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي بِنْتِ مَخَاضٍ وَحِقَّةٍ.
وَمِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَوَاجِبُهُ عَلَى قِيَاسِ الْمَذْكُورِ بِنْتَا مَخَاضٍ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ الْأَجْزَاءِ الزَّائِدَةِ لَوْ أَخَذْنَاهَا لَوَقَعْنَا فِي التَّشْقِيصِ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ التَّفْرِيعُ.
وَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: لِمَ لَا نَأْخُذُ عَنْ الْخَمْسِ الزَّائِدَةِ شَاتَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى أَنَّ الْوَقْصَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ لَيْسَ بِعَفْوٍ، وَالتَّشْقِيصُ مَحْذُورٌ وَكَأَنَّهُ مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ مُنْفَرِدَةً لَزِمَهُ شَاتَانِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَتُضَمُّ الشَّاتَانِ إلَى بِنْتَيْ الْمَخَاضِ؟ . وَطَرِيقُ الْخَلَاصِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ: أَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا جَعَلَ الْغَنَمَ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ» ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ وَإِنَّمَا الْمَأْخُوذُ مِنْ الْإِبِلِ يُبْسَطُ عَلَى الْجَمِيعِ سَوَاءٌ كَانَ وَقْصًا أَوْ غَيْرَهُ، وَلَوْ مَلَكَ سِتًّا وَتِسْعِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَوَاجِبُهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ وَلَا نَقُولُ إنَّ الْخَمْسَةَ تَجِبُ فِيهَا الْغَنَمُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَا غَيْرَهُ لِأَجْلِ التَّشْقِيصِ، هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِكَلَامِ الْإِمَام.
وَأَمَّا الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَوْلُهُ لَمْ يَنْتَفِعْ مَا حَكَاهُ إمَّا لِخَلَلٍ فِي النُّسْخَةِ الْحَاضِرَةِ وَإِمَّا لِغَيْرِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. غَيْرَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ أَعْلَى كَعْبًا وَأَعْظَمُ قَدْرًا. وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ صَدَرَ كَلَامُهُ بِالْخِلَافِ فِي إنَّهُ هَلْ يُؤْخَذُ مِنْ بَعْضِ النِّصَابِ قِسْطُهُ مِنْ وَاجِبِ تَمَامِ النِّصَابِ كَشَاةٍ مِنْ عِشْرِينَ شَاةً فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا نَعَمْ وَيُرْوَى عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَأَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ. وَالنَّقْلُ الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ لَكِنَّ الْقَوْلَ بِالْأَخْذِ مِمَّا دُونَ النِّصَابِ بَعِيدٌ لَا سِيَّمَا مَعَ مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُضَعَّفَ الْوَاجِبُ لَا الْمَالُ، وَالْأَخْذُ مِمَّا دُونَ النِّصَابِ لَا وَجْهَ لَهُ إلَّا بِتَقْدِيرِ تَضْعِيفِ الْمَالِ فَالْقَوْلُ بِهِ مُضَادٌّ لِمَا بُنِيَ عَلَيْهِ الْبَابُ.
فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَيَشْمَلُهُ شَيْءٌ يُنَبَّهُ عَلَيْهِ فِي هَذَا وَفِيمَا تَقَدَّمَ: وَهُوَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ إنَّمَا هُوَ جِزْيَةٌ وَالْأَمْرُ فِيهَا رَاجِعٌ إلَى مَا تَحْصُلُ الْمُشَارَطَةُ عَلَيْهِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالذِّمِّيِّ فَإِذَا اشْتَرَطَ تَقْدِيرَ تَضْعِيفِ الْمَالِ لَمْ يَمْتَنِعْ وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ الْعِلْمِ بَيْنَ الْمُتَشَارِطَيْنِ بِذَلِكَ لِيَصِحَّ الْعَقْدُ، فَاخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ حِينَئِذٍ فِي الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ قَدْ تَطَرَّقَ جَهَالَةٌ مُقْتَضِيَةٌ فَسَادَ الْعَقْدِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْأَصْحَابِ تَعْرِيفُ الْوَاجِبِ لِيَقَعَ الْعِلْمُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute