وَهُوَ لَازِمٌ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَأَمَّا أُصُولُهُ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا فُرُوعُهُ فَمَنْ قَالَ إنَّ الْكُفَّارَ مُكَلَّفُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ فَكَذَلِكَ وَكُلُّ مَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْنَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، وَمَنْ قَالَ لَيْسُوا مُكَلَّفِينَ بِالْفُرُوعِ وَإِنَّمَا مُكَلَّفُونَ بِالْإِسْلَامِ فَقَدْ يَقُولُ إنَّ تَحْرِيمَ هَذَا كَتَحْرِيمِ الْكُفْرِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِمْ وَقَدْ يَقُولُ: إنَّهُ كَسَائِرِ الْفُرُوعِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ فِي حَقِّهِمْ لَا حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ، أَمَّا إنَّهُ جَائِزٌ أَوْ حَلَالٌ أَوْ مَأْذُونٌ فِيهِ لَهُمْ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلَا يَأْتِي عَلَى مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ.
وَجَمِيعُ الشَّرَائِعِ نُسِخَتْ بِشَرِيعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُشْرَعُ الْيَوْمَ إلَّا شَرْعُهُ، بَلْ: أَقُولُ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ شَرْعٌ يُسَوَّغُ فِيهِ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ مَكَانًا يَكْفُرُ فِيهِ بِاَللَّهِ فَالشَّرَائِعُ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْكُفْرِ وَيَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْكُفْرِ تَحْرِيمُ إنْشَاءِ الْمَكَانِ الْمُتَّخَذِ لَهُ وَالْكَنِيسَةُ الْيَوْمَ لَا تُتَّخَذُ إلَّا لِذَلِكَ وَكَانَتْ مُحَرَّمَةً مَعْدُودَةً مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فِي كُلِّ مِلَّةٍ، وَإِعَادَةُ الْكَنِيسَةِ الْقَدِيمَةِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا إنْشَاءُ بِنَاءٍ لَهَا وَتَرْمِيمُهَا أَيْضًا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْحَرَامِ وَلِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْحَرَامِ فَمَنْ أَذِنَ فِي حَرَامٍ وَمَنْ أَحَلَّهُ فَقَدْ أَحَلَّ حَرَامًا، مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الشَّرْعِ رُدَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١] وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي لَا أُحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَلَا أُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ» وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَوْنِهِمْ يُمْنَعُونَ مِنْ التَّرْمِيمِ وَالْإِعَادَةِ أَوْ لَا يُمْنَعُونَ فَاَلَّذِي يَقُولُ لَا يُمْنَعُونَ لَا يَقُولُ بِأَنَّهُمْ مَأْذُونٌ لَهُمْ وَلَا أَنَّهُ حَلَالٌ لَهُمْ جَائِزٌ، وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُصَنِّفِينَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى إطْلَاقِ الْعِبَارَةِ وَالْإِحَالَةِ عَلَى فَهْمِ الْفَقِيهِ لِمَا عَرَفَ قَوَاعِدَ الْفِقْهِ فَلَا يَغْتَرُّ جَاهِلٌ بِذَلِكَ، وَالْفَقِيهُ الْمُصَنِّفُ قَدْ يَسْتَعْمِلُ مِنْ الْأَلْفَاظِ مَا فِيهِ مَجَازٌ لِمَعْرِفَتِهِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يَعْرِفُونَ مُرَادُهُ وَمُخَاطَبَتُهُ لِلْفُقَهَاءِ.
وَأَمَّا الْمُفْتِي فَغَالِبُ مُخَاطَبَتِهِ لِلْعَوَامِّ فَلَا يُعْذَرُ فِي ذَلِكَ وَعَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِالْمَجَازِ وَلَا بِمَا يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُ ظَاهِرِهِ، ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ بَلْ إذَا اُشْتُرِطَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُ الْفُقَهَاءُ إنَّهُمْ يُقِرُّونَ عَلَيْهَا وَيَخْتَلِفُونَ فِي تَرْمِيمِهَا وَإِعَادَتِهَا وَأَمَّا بِغَيْرِ شَرْطٍ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى إبْقَاءٍ، وَلَا يُمَكِّنُونَ مِنْ تَرْمِيمٍ أَوْ إعَادَةٍ فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَدَمَ الْمَنْعِ أَعَمُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute