للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّمَخْشَرِيِّ لَكَانَ الْمَعْنَى لَا تَدْخُلُوا غَيْرَ نَاظِرِينَ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ، وَفِيهِ فَسَادٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا إفْهَامُهُ جَوَازَ الدُّخُولِ نَاظِرِينَ.

وَالثَّانِي إفْهَامُهُ إذَا أَذِنَ لَهُمْ جَازَ الدُّخُولُ مُطْلَقًا نَاظِرِينَ وَغَيْرَ نَاظِرِينَ. قَوْلُهُ {فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: ٥٣] تَقُولُ اسْتَحْيَيْت مِنْ فُلَانٍ مِنْ كَذَا فَفِي الْآيَةِ حَذْفٌ مِنْ الْأَوَّلِ دَلَّ عَلَيْهِ الثَّانِي وَمِنْ الثَّانِي دَلَّ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَوَّلِ الْحَقَّ صِيَانَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اسْتِحْيَائِهِ مِنْ الْحَقِّ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي الثَّانِي أَدَبًا فِي الْخِطَابِ. قَوْلُهُ {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: ٥٣] وَقَوْلُهُ {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ} [الأحزاب: ٥٤] يَدْخُلُ فِيهِ مَا حَصَلَ فِي نُفُوسِ بَعْضِهِمْ مِنْ تَزَوُّجِ عَائِشَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِيذَاؤُهُ كُفْرٌ وَالْكُفْرُ إسْرَارُهُ وَإِعْلَانُهُ سَوَاءٌ فِي الْوَعِيدِ وَالْعُقُوبَةِ، فَكَذَلِكَ تَكُونُ الْآيَةُ مُحْكَمَةً فِي ذَلِكَ وَلَيْسَتْ مِثْلَ قَوْلِهِ {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٤] فَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَلَا مِثْلُ قَوْلِهِ {إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [آل عمران: ٢٩] فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ الْعِلْمُ وَهُوَ شَامِلٌ وَلَيْسَ فِيهَا وَعِيدٌ.

وَآيَةُ الْأَحْزَابِ وَإِنْ ذَكَرَ فِيهَا الْعِلْمَ فَفِيهَا وَعِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٥٦] هِيَ تَحِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ تَحِيَّةٌ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَدْخُل مَعَهُمْ فِيهَا وَلَا يَصِحُّ دُخُولُهُ، وَهِيَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ.

قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: ٥٩] الظَّاهِرُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ إلَى أَنْ يُعْرَفْنَ، لِأَنَّ أَدْنَى بِمَعْنَى أَقْرَبُ، وَأَقْرَبُ تَتَعَدَّى بِإِلَى وَبِاللَّامِ، وَأَدْنَى الَّتِي مِنْ الدُّنُوِّ تُسْتَعْمَلُ تَارَةً فِي الْكَثْرَةِ وَهُوَ حَقِيقَتُهَا، وَتَارَةً فِي الْقِلَّةِ كِنَايَةً، لِأَنَّ الْقَلِيلَ أَقْرَبُ وَأَمَّا أَدْنَى الَّتِي فِي قَوْلِ الْمُتَنَبِّي

لَوْلَا الْعُقُولُ لَكَانَ أَدْنَى ضَيْغَمٍ

فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَيْ أَقَلَّ ضَيْغَمٍ.

وَأَمَّا أَدْنَا مِنْ الدَّنَاءَةِ إنْ كَانَ يُقَالُ، فَإِنَّمَا يَكُونُ بِإِبْدَالِ هَمْزَتِهِ أَلِفًا وَأَمَّا الدُّونُ بِمَعْنَى الْحَقِيرِ فَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهِ دُونٌ، وَدُونَ الظَّرْفُ مَعْرُوفٌ وقَوْله تَعَالَى {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: ٥٣] مَعْنَاهُ أَنَّ سُؤَالَهُنَّ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ أَطْهُرُ مِنْ سُؤَالِهِنَّ بِغَيْرِ حِجَابٍ مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي الطَّهَارَةِ اللَّائِقَةِ بِالصَّحَابَةِ، ثُمَّ قَالَ {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: ٥٣] فَإِنْ جَعَلَ الْكَلَامَ فِي الْقَسَمِ الْمَفْصُولِ وَهُوَ بِغَيْرِ حِجَابٍ مِنْ الْإِيذَاءِ كَانَ فِيهِ بَعْضُ مُتَمَسَّكٍ لِلْمَالِكِيَّةِ فِي قَتْلِ السَّابِّ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْأَذَى. قَوْلُهُ {ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا} [الأحزاب: ٦٠] قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ بِالْفَاءِ؛ وَإِنَّمَا جَاءَ " بِثُمَّ " لِتَرَاخِي الرُّتْبَةِ وَأَنَا أَقُولُ لَوْ جَاءَ بِالْفَاءِ لَكَانَ مُسَبَّبًا عَنْ إغْرَائِهِ بِهِمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلِيمٌ عَظِيمُ الشَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>