مَا يَصِلُ مَعَهُمْ وَيَبْتَضِعُونَ غَيْرَهُ وَيَعُودُونَ إلَى بِلَادِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَادَةٌ بِإِظْهَارِ أَعْيَادِهِمْ بِعَكَّاءَ وَلَا مَا يَفْعَلُونَهُ بِبِلَادِهِمْ وَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ أَيَّامٍ اجْتَمَعَ الْفِرِنْجُ وَجَهَّزُوا مَنْ قَطَعَ لَهُمْ عُرُوقَ زَيْتُونٍ وَحَمَلُوهَا عَلَى أَكْتَافِ عَتَّالِينَ نَفَرَيْنِ صِبْيَانَ فِرِنْجَ وَالطُّبُولُ وَالزَّمُورُ وَأَنَّ الصِّبْيَانَ الْمَذْكُورِينَ أَعْلَنُوا بِالدُّعَاءِ لِمَوْلَانَا السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الصَّالِحِ بِالْمِينَاءِ ثُمَّ إنَّهُمْ دَخَلُوا إلَى خَرَابِ عَكَّاءَ جَمِيعُهُمْ وَقُدَّامُهُمْ مُقَدَّمُ الْوِلَايَةِ وَالْمِينَاءُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِسُيُوفٍ مَشْهُورَةٍ وَأَنَّهُمْ لَمَّا وَصَلُوا إلَى الْكَنِيسَةِ اسْتَغَاثَ الصِّبْيَانُ الرَّاكِبِينَ بِالْمَسِيحِ بِالدِّينِ الصَّلِيبِ وَبِيَدِ أَحَدِ الصِّبْيَانِ رُمْحٌ بِهِ رَايَةٌ وَحَالَ الْوَقْتِ جَهَّزَ الْمَمْلُوكُ مَنْ أَحْضَرَ الْفِرِنْجَ الْمَذْكُورِينَ وَمُتَوَلِّيَ عَكَّاءَ وَالْقَاضِيَ بِهَا وَمُقَدَّمَ الْمِينَاءِ وَالْوِلَايَةِ وَالْعَتَّالِينَ فَلَمَّا حَضَرُوا سَأَلَ الْمَمْلُوكُ الْعَتَّالِينَ عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرُوا أَنَّهُ جَرَى وَأَنَّ مُقَدَّمَ الْوِلَايَةِ أَمَرَهُمْ بِشَيْلِ الزَّيْتُونَةِ مَعَ الْفِرِنْجِ الْمَذْكُورِينَ وَأَنَّ الْفِرِنْجَ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ شَاوَرُوا الْوَالِيَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ جَهَّزَهُمْ إلَى عِنْدِ الْقَاضِي وَأَنَّ الْقَاضِيَ أَمَرَهُمْ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُتَوَلِّي أَمَرَهُمْ بِعَمَلِ ذَلِكَ يَعْمَلُونَهُ وَعُمِلَ مُحْضَرٌ بِصُورَةِ الْحَالِ وَمَا اعْتَمَدَهُ الْمَذْكُورُونَ جَمِيعُهُمْ وَأَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْمَذْكُورِينَ الْوَاجِبَ فَخَشِيَ مِنْ شَكْوَاهُمْ وَيَطْلُبهُمْ الْوَالِي وَأَنْ يَقُولُوا إنَّ الْمَمْلُوكَ عَمِلَ مِنْهُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ مُوجِبٍ وَأَنَّ الْمَمْلُوكَ طَلَبَ مَنْ يَسْتَفْتِيهِ فِي عَمَلِهِ وَلَمْ يَجِدْ فِي صَفَدٍ مُفْتٍ يُفْتِيهِ وَأَنَّ الْحَاكِمَ بِصَفَدٍ ذَكَرَ أَنَّ مَذْهَبَهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي ذَلِكَ وَحَصَلَ فِي هَذَا الْأَمْرِ حَدِيثٌ كَثِيرٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ بِصَفَدٍ وَقَدْ اخْتَارَ الْمَمْلُوكُ أَنْ يُحَرِّرَ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَذْكُورِينَ جَمِيعِهِمْ لِيَعْتَمِدَ فِي أَمْرِهِمْ مَا يَقْتَضِيهِ حُكْمُ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ حَتَّى لَا يَبْقَى لِلْفِرِنْجِ كَلَامٌ وَلَا تَظَلُّمٌ، وَقَدْ كَتَبْت فُتْيَا بِصُورَةِ الْحَالِ وَجَهَّزَهَا الْمَمْلُوكُ عَطَفَ مَطَالِعَهُ إلَى بَيْنِ يَدَيْ مَلِكِ الْأُمَرَاءِ لِيَقَعَ نَظَرُهُ عَلَيْهَا.
(أَجَابَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا نَصُّهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ دَخَلُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فِي التِّجَارَةِ بِأَمَانٍ لَيْسَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَلْ حُكْمُ الْمُسْتَأْمَنِينَ وَالْمُعَاهَدِينَ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَعَقْدُ الْأَمَانِ أَضْعَفُ مِنْ عَقْدِ الذِّمَّةِ يُنْتَقَضُ بِمَا لَا يُنْتَقَضُ بِهِ عَقْدُ الذِّمَّةِ، وَهَذِهِ الْحَالُ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَأْمَنِينَ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ وَنِدَائِهِمْ بِالدِّينِ الصَّلِيبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute