الْقَاعِدَةُ لِأَنَّهَا إنَّمَا قَالَهُ الْبَيَانِيُّونَ وَالْمَنْطِقِيُّونَ فَقَدْ يَكُونُ الْفُقَهَاءُ لَا يُوَافِقُونَ عَلَيْهَا وَإِمَّا أَنْ تَصِحَّ تِلْكَ الْقَاعِدَةُ، وَيَبْطُلَ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ إنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ إجْمَاعِيَّةً وَمَأْخُوذَةً عَمَّنْ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي عِلْمِ اللِّسَانِ، وَإِمَّا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا.
(الْإِشْكَالُ الثَّانِي) فِي قَوْلِ الْأَصْحَابِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ، وَقَوْلُ جُمْهُورِهِمْ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ بِعَدَمِ التَّعَدُّدِ سَوَاءٌ ثَبَتَتْ تِلْكَ الْقَاعِدَةُ أَمْ لَمْ تَثْبُتْ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً وَجَبَ اتِّحَادُ الْحُكْمِ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ؟
(الْإِشْكَالُ الثَّالِثُ) فِي الِاتِّفَاقِ عَلَى الْحِنْثِ بِأَحَدِهِمَا وَالِاخْتِلَافِ فِي بَقَاءِ الْإِيلَاءِ فَإِنَّهَا إنْ كَانَتْ يَمِينًا وَاحِدَةً وَجَبَ عَدَمُ الْحِنْثِ بِأَحَدِهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ يَمِينَيْنِ وَجَبَ بَقَاءُ الْإِيلَاءِ. وَالْجَوَابُ أَمَّا الْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ فَالْقَاعِدَةُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا الْبَيَانِيُّونَ وَالْمَنْطِقِيُّونَ فَهِيَ صَحِيحَةٌ لِدَلَالَةِ الْوَضْعِ وَالْعَقْلِ وَالْعُرْفِ عَلَيْهَا فَمَدْلُولُ قَوْلِنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا أُكَلِّمُهُ غَيْرُ مَدْلُولِ قَوْلِنَا لَا أُكَلِّمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. فَإِنْ قُلْت تَسْتَحِيلُ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي لَا أُكَلِّمُهُ عَائِدٌ عَلَى كُلٍّ فِي الْقَضِيَّةِ الْأُولَى، وَكُلُّ الْقَضِيَّةِ الثَّانِي هُوَ الْمَفْعُولُ فَالْمَفْعُولُ مُتَّحِدٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ بِالْإِضْمَارِ وَالظُّهُورِ، وَإِذَا كَانَ الْمَفْعُولُ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْفِعْلُ الْمَحْلُوفُ مُتَّحِدًا فِي الْقَضِيَّتَيْنِ وَجَبَ اتِّحَادُ الْحُكْمَيْنِ وَعَدَمُ تَغَايُرِ الْمَدْلُولَيْنِ. قُلْت ضَمِيرُ الْمَفْعُولِ فِي لَا أُكَلِّمُهُ عَائِدٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ " وَكُلَّ " إذَا أُضِيفَتْ إلَى نَكِرَةٍ يَتَعَيَّنُ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى فِيمَا هُوَ لَهَا مِنْ ضَمِيرٍ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ بِالْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ عَلَى حَسَبِ الْمُضَافِ إنْ كَانَ مُفْرَدًا فَمُفْرَدٌ وَإِنْ كَانَ مُثَنًّى فَمُثَنًّى وَإِنْ كَانَ جَمْعًا فَجَمْعٌ وَإِنْ كَانَ مُؤَنَّثًا فَمُؤَنَّثٌ، هَذَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، وَكَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَيُرَادُ بِهِ الْمُضَافُ إلَيْهِ لَا الْمُضَافُ.
وَيَظْهَرُ هَذَا فِي التَّثْنِيَةِ " كُلُّ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لَا أُكَلِّمُهُمَا فَمَدْلُولُ " كُلُّ " اسْتِغْرَاقُ أَفْرَادِ الْمُثَنَّى مِنْ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ وَهُوَ أَمْرٌ كُلِّيٌّ يُفِيدُ التَّتَبُّعَ فِي أَفْرَادِهِ، وَالنَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ كُلِّيَّتِهِ شَيْءٌ وَالنَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ تَتَبُّعُهُ فِي مَوَاضِعِهِ شَيْءٌ آخَرُ وَهُمَا اعْتِبَارَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْأَوَّلَ أَخْبَرْنَا عَنْ لَفْظِهَا فَقُلْنَا كُلَّ رَجُلَيْنِ يَعُمُّ أَفْرَادَ التَّثْنِيَةِ وَكَانَ الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ فِي يَعُمُّ لِكُلِّ رَجُلَيْنِ بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ الْمُضَافِ، وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الثَّانِيَ أَخْبَرْنَا عَنْ مَعْنَاهَا وَقُلْنَا: " كُلُّ رَجُلَيْنِ لَا أُكَلِّمُهُمَا " فَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ وَإِنْ عَادَ مِنْ حَيْثُ الصِّنَاعَةِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute