حَكَمَ بِخِلَافِ النَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ فَيُنْقَضُ إذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الْخَلَلِ فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَ مَعْنَى النَّقْضِ الْحِلَّ بَعْدَ الْعَقْدِ بَلْ الْحُكْمُ يَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ وَبَيَانِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ صَحِيحًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، وَالْحَاكِمُ نَائِبُ الشَّرْعِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْحُكْمُ بِغَيْرِ حُكْمِهِ، وَلَفْظَةُ نَقْضِ الْحُكْمِ مُمْكِنَةٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إبْطَالُ ذَاتِ الْحُكْمِ الَّذِي وَقَعَ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ إذَا حَكَمَ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ، وَإِنْ صَادَفَ الْحَقَّ، وَالْخَلَلُ هُنَا فِي الْحَاكِمِ لَا فِي الْحُكْمِ لَكِنَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُ وَلَفْظَةُ النَّقْضِ هُنَا أَيْضًا مُمْكِنَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إبْطَالُ فِعْلِ الْحَاكِمِ وَيَبْقَى الْأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يَصْدُرَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مِنْ أَهْلِهِ كَمَا يَبْطُلُ تَصَرُّفُ مَنْ لَيْسَ بِوَكِيلٍ.
(الْمَوْطِنُ الثَّانِي) أَنْ يَحْصُلَ الْحُكْمُ عَلَى سَبَبٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ وَيَظُنُّ الْقَاضِي وُجُودَهُ بِبَيِّنَةِ زُورٍ وَنَحْوِهَا فَإِذَا انْكَشَفَ ذَلِكَ يُنْقَضُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي بَعْضِهَا بِخِلَافٍ فِيهِ. وَالْخِلَافُ هُنَا فِي السَّبَبِ وَوَضْعِ الْحُكْمِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَالنَّقْضُ هُنَا مَعْنَاهُ إبْطَالُ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ وَلَفْظَةُ النَّقْضِ فِيهِ غَيْرُ مُمْكِنَةٍ لِأَنَّا نَنْقُضُ الْحُكْمَ فِي ذَاتِهِ لِخَطَئِهِ، وَإِنَّمَا نَقَضْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَأَخْرَجْنَا الْمَحَلَّ عَنْهُ فَالْخَطَأُ فِي السَّبَبِ لَا فِي الْحُكْمِ وَالْمُخْطِئُ هُوَ الشَّاهِدُ لَا الْحَاكِمُ؛ نَعَمْ الْحَاكِمُ بِفَرْعٍ مِنْ الْخَطَأِ وَهُوَ ظَنُّهُ وُجُودَ السَّبَبِ الْحَاصِلِ بِالْبَيِّنَةِ.
(الْمَوْطِنُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ الْخَلَلُ فِي الطَّرِيقِ كَمَا إذَا حَكَمَ بِشَهَادَةِ كَافِرَيْنِ فَإِذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ يُنْقَضُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ صَحِيحًا أَمْ لَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ الْحُكْمِ مَا كَانَ بِطَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ فَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ طَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ فَقَدْ حَصَلَ الْخَطَأُ فِي الطَّرِيقِ فَنَنْقُضُهُ لِوُقُوعِهِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ.
وَالْخَطَأُ هُنَا مِنْ الْقَاضِي فِي اعْتِقَادِهِ عَدَالَةَ الشُّهُودِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مُرَتَّبًا عَلَى بَيِّنَةِ التَّزْكِيَةِ وَقَدْ يَكُونُ عَلَى ظَنِّهِ إذَا عَدَلَهُمْ بِعِلْمِهِ، وَلَفْظَةُ النَّقْضِ هُنَا كَهِيَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ الْفُقَهَاءُ أَطْلَقُوا النَّقْضَ عَلَى الْجَمِيعِ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَلَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ اعْتَقَدَ عَدَالَتَهُمَا نُقِضَ فِي الْأَصَحِّ كَالْكَافِرَيْنِ.
وَقِيلَ لَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِطَرِيقٍ ظَنِّيٍّ فَيَصِيرُ كَنَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا فِي النَّقْضِ بِبَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، وَلَوْ بَانَ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ مُعَارِضٌ لِدَلِيلِ حُكْمِهِ فَلَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ قَطْعًا لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute