بِالْمَقْصُودِ وَإِنَّمَا شَهِدَ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَفَوَّضَ النَّظَرَ فِيهَا إلَى الْحَاكِمِ، وَالِاسْتِفَاضَةُ تَحْتَاجُ إلَى قَرَائِنَ حَالِيَّةٍ يَتَعَذَّرُ التَّعْبِيرُ عَنْهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَكْتَفِ الْحَاكِمُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ، عَلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ فِي كَلَامِهِ مَيْلٌ إلَى الِاكْتِفَاءِ بِهَا فِي سَبَبِ الْجَرْحِ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: فِيمَا إذَا شَهِدَ بِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْأَمْسِ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ اسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ مَا عَرَفَهُ مِنْ قَبْلُ كَشِرَاءٍ وَإِرْثٍ وَغَيْرِهِمَا.
وَلَوْ كَانَ يَجُوزُ زَوَالُهُ وَلَوْ صَرَّحَ فِي شَهَادَتِهِ أَنَّهُ يَعْتَمِدُ الِاسْتِصْحَابَ فَوَجْهَانِ، حُكِيَ فِي الْوَسِيطِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّضَاعِ عَلَى امْتِصَاصِ الثَّدْيِ وَحَرَكَةِ الْحُلْقُومِ، وَعَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ الْقَبُولُ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ سِوَاهُ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ يُدْرَكُ بِقَرَائِنَ لَا تَدْخُلُ فِي الْعِبَارَةِ. انْتَهَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ.
وَقَدْ يُقَالُ: قِيَاسُهُ جَرَيَانُ الْوَجْهَيْنِ فِي التَّصْرِيحِ بِالِاسْتِفَاضَةِ لَكِنَّا نَقُولُ: إنَّ مَحَلَّهُمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إذَا لَمْ يَجْزِمْ الشَّاهِدُ فِي الْحَالِ بِأَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ مَلَكَهُ أَمْسِ، وَاسْتَصْحَبَ ذَلِكَ إلَى الْحَالِ أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ بَاقٍ إلَى الْحَالِ بِالِاسْتِصْحَابِ، أَمَّا إذَا قَالَ: أَشْهَدُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ فِي الْحَالِ وَمُسْتَنَدِي الِاسْتِصْحَابُ فَلِمَ لَا يَقْبَلْ إذَا لَمْ يَذْكُرْهُ عَلَى سَبِيلِ الرِّيبَةِ، وَفِي الرَّضَاعِ يَنْبَغِي إذَا جَزَمَ، ثُمَّ قَالَ: مُسْتَنَدِي وَضْعُ الثَّدْيِ وَحَرَكَةُ الْفَمِ وَقَرَائِنُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ أَبِي الدَّمِ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ وَفِي شَرْحِ مُشْكِلِ الْوَسِيطِ لَهُ أَنَّ ذِكْرَهُ لِلِاسْتِفَاضَةِ يَمْنَعُ مِنْ الْقَبُولِ وَأُخِذَ ذَلِكَ مِنْ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ الْمُتَقَدِّمِ وَذِكْرُهُ الِاسْتِصْحَابَ وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ رَدُّوا هَذِهِ الشَّهَادَةَ، وَقَدْ غَلِطَ فِي فَهْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ بَيَّنَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَصَرَّحَ فِي صُورَتِهَا بِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ بَلْ اسْتَصْحَبَ وَاقْتَصَرَ عَلَى الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ الْمُتَقَدِّمِ وَاسْتِصْحَابِهِ وَلَمْ يَشْهَدْ بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ، وَهَذَا نَظِيرُهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ اسْتَفَاضَ فَلْتَفْهَمْ الْمَسْأَلَةَ هَكَذَا، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ ذَلِكَ فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْإِمَامِ الَّذِي بَيَّنَهَا.
وَقَدْ تَبِعَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ابْنَ أَبِي الدَّمِ فَنَقَلَ كَلَامَهُ فِي الْكِفَايَةِ ثُمَّ أَتَى فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ بِهِ كَالْمَفْرُوغِ مِنْهُ فَلَا تَغْتَرَّ بِذَلِكَ وَلْتُحَقِّقْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ.
نَعَمْ إنْ فُرِضَ أَنَّ الشَّاهِدَ أَتَى بِذَلِكَ عَلَى صُورَةِ الِارْتِيَابِ فِي الشَّهَادَةِ وَظَهَرَ لِلْحَاكِمِ مِنْهُ ذَلِكَ كَانَ كَمَا لَوْ تَرَدَّدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute