للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَوَابُ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ أَشْكَلَتْ عَلَى فُقَهَاءِ الزَّمَانِ حَتَّى رَأَيْت الشَّيْخَ قُطْبَ الدِّينِ السَّنْبَاطِيَّ وَكَانَ قَدْ وُلِّيَ نِيَابَةَ الْحُكْمِ بِالْقَاهِرَةِ وَنَدَبَنِي أَنَا وَسِرَاجَ الدِّينِ الْمَحَلِّيَّ إلَى مُلَازَمَةِ مَجْلِسِهِ لِمَا عَسَاهُ يَعْرِضُ لَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُشْكِلَةِ فَنَتَوَخَّى الْحَقَّ فِيهَا فَكَانَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَرَى بِأَنَّ الشُّهُودَ يَشْهَدُونَ بِجُمْلَةِ الدَّيْنِ بَلْ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَلَا يُسَجِّلُ وَلَا يُثْبِتُ إلَّا لِأَحَدِهِمَا وَهُوَ الْمُدَّعِي، وَبَسَطَ شَيْخُنَا ابْنُ الرِّفْعَةِ الْقَوْلَ فِيهَا فِي فَرْعٍ مُفْرَدٍ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ قَالَ: إذَا كَانَ لِشَخْصٍ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ وَلَهُ بَيِّنَةٌ بِهِ فَقَضَاهُ بَعْضَهُ ثُمَّ مَاتَ أَوْ جَحَدَ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْحَقِّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ تَشْهَدُ؟ قَالَ: فُقَهَاءُ زَمَانِنَا: إنْ شَهِدَ الشَّاهِدُ عَلَى إقْرَارِهِ بِبَاقِي الدَّيْنِ فَقَدْ شَهِدَ بِخِلَافِ مَا وَقَعَ، وَإِنْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ بِكُلِّ الدَّيْنِ شَهِدَ بِمَا اُسْتُشْهِدَ عَلَيْهِ وَبِمَا لَمْ يَشْهَدْ فِيهِ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ الِاسْتِشْهَادِ يَصِيرُ مَجْرُوحًا، فَإِنْ قُلْنَا: يَصِيرُ مَجْرُوحًا - بَطَلَتْ جُمْلَةُ الشَّهَادَةِ وَإِلَّا خَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فَالطَّرِيقُ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ عَلَى إقْرَارِهِ بِكَذَا مِنْ جُمْلَةِ كَذَا فَيَكُونُ تَنْبِيهًا عَلَى صُورَةِ الْحَالِ.

قَالَ: وَمَا قَالُوهُ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ قَدْ رَأَيْت مِثْلَهُ فِي الْإِسْرَافِ فِيمَا إذَا ادَّعَى أَلْفًا فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ بِأَلْفٍ وَآخَرُ بِأَلْفَيْنِ.

وَفِي الْبَحْرِ قَبْلَ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى تِسْعَةً فَشَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ فَالشَّهَادَةُ زَائِدَةٌ عَلَى الدَّعْوَى فَتَبْطُلُ فِي الزَّائِدِ وَهَلْ تَبْطُلُ فِي الْبَاقِي؟ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَبْعِيضِ الْإِقْرَارِ لَكِنَّهُ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ إنَّ الْبَيِّنَةَ لَوْ خَالَفَتْ الدَّعْوَى فِي الْجِنْسِ لَا تُسْمَعُ.

وَفِي الْقَدْرِ إنْ خَالَفَتْهَا إلَى نُقْصَانِ حُكْمٍ فِي الْقَدْرِ بِالْبَيِّنَةِ دُونَ الدَّعْوَى وَإِلَى زِيَادَةِ حُكْمٍ بِالدَّعْوَى دُونَ الْبَيِّنَةِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُدَّعِي تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ فِي الزِّيَادَةِ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلرَّمْلِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ ادَّعَى عَشَرَةً فَشَهِدَ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ بِعِشْرِينَ صَحَّ لَهُ الْعَشَرَةُ وَلَا يَكُونُ طَعْنًا عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْهُمْ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ فِي الْأَصْلِ عِشْرِينَ قَبَضَ مِنْهَا عَشَرَةً.

قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَعِنْدِي أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْقَدْرِ الْبَاقِي لَا يَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالْعَشَرَةِ أَقَرَّ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا وَيُؤَيِّدُهُ أَمْرَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِعِشْرِينَ وَشَاهِدٌ بِثَلَاثِينَ ثَبَتَتْ الْعِشْرُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>