للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "ويحكم! زوجني سعيد بن المسيب ابنته اليوم؛ وقد جاء بها الليلة على غفلة".

قالوا: "وسعيد زَوَّجَكَ! أهو سعيد الذي زوجك! أزوجك سعيد؟ ".

قال: "نعم".

قالوا: "وهي في الدار؟ أتقول: إنها في الدار؟ ".

قال: "نعم".

فانثال النساء عليه من هنا وههنا حتى امتلأت بهن الدار. وغشيت الرجل غشية أخرى، فحسب داره تتيه على قصر عبد الملك بن مروان، وكأنما يسمعها تقول: "أنا، أنا، أنا".

قال عبد الله بن أبي وداعة: "ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل الناس وأحفظهم لكتاب الله تعالى، وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحق الزوج. لقد كانت المسألة المعضلة تُعيي الفقهاء فأسألها عنها فأجد عندها منها علمًا".

قال: ومكثت شهرًا لا يأتيني سعيد ولا آتيه، فلما كان بعد الشهر أتيته وهو في حلقته فسلمت، فرد علي السلام، ولم يكلمني حتى تفرق الناس من المجلس وخلا وجهه، فنظر إلي وقال:

"ما حال ذلك الإنسان؟ ".

أما ذلك "الإنسان" فلم يعرف من الفرق بين قصر ولي العهد ابن أمير المؤمنين، وبين حجرة ابن أبي وداعة التي تسمى دارًا! إلا أن هناك مضاعفة الهم، وهنا مضاعفة الحب.

وما بين "هناك" إلى القبر مدة الحياة, ستخفت الروح من نور بعد نور، إلى أن تنطفئ في السماء من فضائلها.

وما بين "هنا" إلى القبر مدة الحياة, تسطع الروح بنور على نور، إلى أن تشتغل في السماء بفضائلها.

وما عند أمير المؤمنين لا يبقى، وما عند الله خير وأبقى.

ولم يزل عبد الملك يحتال "لسعيد" ويرصد غوائله حتى وقعت به المحنة،

<<  <  ج: ص:  >  >>