خَمْل النعام، تعرض فيه الأنوثة فنها الكامل؛ فلو خُلق الدلال امرأة لكانتها.
وتلوح للرائي من بعيد كأنها وضعت في فمها "زر ورد" أحمر منضمًّا على نفسه. شفتان تكاد ابتسامتهما تكون نداء لشفتيْ محب ظمآن!
أما عيناها فما رأيت مثلهما عيني امرأة ولا ظبية؛ سوادهما أشد سوادًا من عيون الظباء؛ وقد خُلقتا في هيئة تثبت وجود السحر وفعله في النفس؛ فهما القوة الواثقة أنها النافذة الأمر، يمازجها حنان أكثر مما في صدر أم على طفلها؛ وتمام الملاحة أنهما هما بهذا التكحيل، في هذه الهيئة، في هذا الوجه القمري.
يا خالق هاتين العينين! سبحانك سبحانك!
قال الراوي:
وأتغافل عنها أيامًا؛ وطال ذلك مني وشق عليها، وكأني صغرت إليها نفسها، وأرهقتها بمعنى الخضوع، بيد أن كبرياءها التي أبت لها أن تُقدِم، أبت عليها كذلك أن تنهزم.
وأنا على كل أحوالي إنما أنظر إلى الجمال كما أستنشي العطر يكون متضوعًا في الهواء: لا أنا أستطيع أن أمسه ولا أحد يستطيع أن يقول: أخذت مني. ثم لا تدفعني إليه إلا فطرة الشعر والإحساس الروحاني، دون فطرة الشر والحيوانية١, ومتى أحسست جمال المرأة أحسست فيه بمعنى أكبر من المرأة، أكبر منها؛ غير أنه هو منها.
قال الراوي:
فإني لجالس ذات يوم وقد أقبلتُ على شأني من الكتابة، وبإزائي فتى رَيِّق الشباب، في العمر الذي ترى فيه الأعين بالحماسة والعاطفة، أكثر مما ترى بالعقل والبصيرة، ناعم أملد تم شبابه ولم تتم قوته، كأنما نكصت الرجولة عنه إذ وافته فلم تجده رجلًا ... أو تلك هي شيمة أهل الظَّرف والقصف من شبان اليوم: ترى الواحد منهم فتعرف النضج في ثيابه أكثر مما تعرفه في جسمه، وتأبى الطبيعة عليه أن يكون أنثى فيجاهد ليكون ضربًا من الأنثى! إني لجالس إذا وافت الحسناء فأومأتْ إلى الفتى بتحيتها، ثم ذهبتْ فاعتلَت المنصة مع الباقيات، ورقصت
١ بسطنا هذا المعنى في المقدمة الثانية لكتابنا "أوراق الورد" وفي مواضع كثيرة من هذا الكتاب، فلم نتوسع فيه هنا.