للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما لا أكاد أعرف كيف وقع، ولكنه وقع. هذه قطرة من الماء الصافي العذب، فضع عليها "الميكرسكوب" يا سيدي، وقل لي ماذا ترى؟

قلت: إنك تخرجين من السؤال سؤالًا, فما الذي خامر قلبك من كلام "ح" فبكيت له؟

قالت: إذن فليست هي قطرة من الماء، بل تلك دمعة من دموعي، فضع عليها الميكرسكوب يا سيدي.

قال الراوي:

وكانت حزينة كأنها لم تسكت عن البكاء إلا بوجهها، وبقيت روحها تبكي في داخلها. فأراد الأستاذ "ح" أن يستدرك لغلطته الأولى فقال: إنك الآن تسألينه حقًّا من حقوقك عليه، فكل امرأة يحبها هي عروس قلمه ولها على هذا القلم حق النفقة.

فضحكت نوعًا من الضحك الفاتر، كأنما ابتكره ثغرها الجميل لساعة حزنها؛ ونظرتْ إليّ، فقلت: إن كان الأمر من نفقة العروس على القلم, فما أشبه هذا "بلا شيء" جُحا.

فضحكتْ أظرف من قبل، وخيل إلي أن ثغرها انطبق بعد افتراره على قبلة أفلتت منه, فأمسكها من آخرها.

ثم قالت: ما هو "لا شيء" جحا؟

قلت: زعموا أن جحا ذهب يحتطب، وحمل فوق ما يطيق، فبَهَظَه الحِمْل وبلغ به المشقة، ثم رأى في طريقه رجلًا أبله فاستعان به، فقال الرجل: كم تعطيني إذا أنا حملت عنك؟ قال: أعطيك "لا شيء". قال: رضيت.

ثم حمل الأبله وانطلق معه حتى بلغ الدار، فقال: أعطني أجري, قال جحا: لقد أخذته. واختلفا: هذا يقول: أعطني، وهذا يقول: أخذت؛ فلبَّبه الرجل١ ومضى يرفعه إلى القاضي، وكانت بالقاضي لُوثة، وعلى وجهه رَوْءَة الحُمْق٢ تخبرك عنه قبل أن يخبرك عن نفسه، فلما سمع الدعوى قال لجحا: أنت في الحبس أو تعطيه "اللا شيء".


١ أخذ بتلابيبه.
٢ اللوثة "بضم اللام": مَسّ من الجنون، وتكون أيضًا بمعنى الحمق، وروءة الحمق: علاماته، وهي معروفة في علم الفراسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>