وكل معجزة تحدث فهذا هو سبيلها في إيجاد النواميس الخاصة بها وإبطال النواميس المألوفة، وبهذا يقال: إنها خرقت العادة. ومن النور نور لا يشف له غير الهواء، ومنه أشعة "رونتجن" التي تشف لها الجدران والحجب؛ فهذه معجزة في ذاك.
والنبي لا يكون نبيا حتى يكون في إنسانه إنسان آخر بنواميس تجعله أقرب إلى الملائكة في روحانيتها، وما ينزل إنسانه الظاهر من الإنسان الباطن فيه إلا منزلة من يتلقي ممن يعطي؛ فذاك الباطن هو للحقائق التي لا تحملها الدنيا، وهذا الظاهر لما يمكن أن يبلغ إليه الكمال في المثل الإنسان الأعلى، ولولا ذلك الباطن ما استطاع نبي من الأنبياء أن يحمل هموم أمة كاملة لا تضنيه ولا تغيره ولا تعجزه.
فحقيقة النبوة أنها قوة من الوجود في إنسان مختار جاءت تصلح الوجود الإنساني به لتقر في هذه الحيوانية المهذبة مثلها الأعلى، بدلالتها على طريقها النفسي مع طريقها الطبيعي، فيكون مع الانحطاط الرقي، ومع النقص الكمال، ومع حكم الغريزة التحكم في الغريزة، ومع الظلمة المادية الإشراق الروحاني.
وما المعجزات إلا شأن تلك القوة الباطنة لا شأن إنسانها الظاهر، ومن الذي ينكر أن قوى الوجود هي في نفسها إعجاز للعقل البشري؟ وهل ينكر اليوم أحد شأن هذه القوة في "الراديو" حين مسته فجعلت الكلمة التي ترسل بين الشرق والغرب، كالكلمة بين اثنين يتحدثان في مجلس واحد؟
ونحن نرى معجزات التنويم المغناطيسي وما يبصره النائم وما يسمعه، وما ينكشف له مما وراء الزمان والمكان؛ وليس التنويم شيئا إلا تسليط الذات الباطنة بقواها الروحية العجيبة، على الذات الظاهرة المقيدة بحواسها المحدودة، فتطغى عليها، فتصبح الحواس مطلقة شائعة في الوجود بمقدار ما فيها من قواه لا بمقدار ما فيها من قوة شخصها.
وعلى نحو من ذلك يتصل الرجل الروحاني بذاته الباطنة، فيوقع شخصه الظاهر في الاستهواء، فينكشف له الوجود، ويبصر ما يقع على البعد، ويرى ما هو آت قبل أن يأتي؛ وما الكون في هذه الحالة إلا كالمعشوق يقول لعاشقه الذي وقع في قلبه الحب: قد آتيتك نورًا تنظر به جمالي.
وفي علماء عصرنا من يفكر في الصعود إلى القمر، وفيهم من يعمل