عزبًا متعففا؛ وما أشبه فراغ الرجولة من المرأة بفراغ العقل من الذكاء؛ هذا هو العقل البليد، وتلك هي الرجولة البليدة!
والمرأة تضاعف معنى الحياة في النفس, فلا جرم كان الخلاء منها مضاعفة لمعنى الموت؛ علم هذا من علم وجهله من جهل، فكنت أعيش من الكون في فراغ ميت، وكنت أحس في كل ما حولي وحشة عقلية تشعرني أن الدنيا غير تامة؛ وكيف تتم في عيني دنيا أراها غير الدنيا التي في قلبي؟
وعرفت أن كل يوم يمضي على الرجل العزب المتعفف لا يمضي حتى يهيئ فيه مرض يوم آخر، ومن هذه الأيام المريضة المتهالكة، تعد الحياة انتقامها من هذا الحي الذي نقض آيتها وافتأت عليها، وجعل نفسه كالإله لا زوجة له ولا صاحبة!
وايم الله إن الشيطان لا يفرح بالرجل الزاني وبالمرأة الزانية ما يفرح بالرجل العزب وبالمرأة العزباء، لأنه في ذينك رذيلة في أسلوبها، أما في هذين فالشيطان رذيلة في أسلوب فضيلة! هناك يلم الشيطان ويمضي، وهنا يأتي الشيطان ويقيم!
وقد عشت ما عشت بقلب مغلق وعقل مفتوح؛ وليتني كنت جاهلًا مغلقا عقله، وكان قلبي مفتوحا لأفراح هذا الكون العظيم!
ومضت أيامي يضرب بعضها في بعض، ويمرض بعضها بعضًا حتى انتهت منتهاها، وجاء اليوم المدنف الهالك الذي سيموت.
أصبحت فقلت لنفسي: كم تعيشين ويحك في أحكام جسد مختل لا تصدق أحكامه، وما أنت معه في طبيعتك ولا هو معك في طبيعته؛ ففيم اجتماعكما إلا على بلائي ونكدي؟
لم تصطلحا قط على واجب ولا لذة، ولا حلال ولا حرام؛ فأنتما عدوان لا هم لكليهما إلا إفساد المسرة التي تعرض للآخر. وما أدري بمن يسخر الشيطان منكما؟ فالعابد الذي يوسوس باللذات يتمنى اقترافها، كالفاجر الذي يواقعها ويقتحمها!
ويحك يا نفس! إني رأيت هذه الدنيا الخرقاء لم تقدم لي إلا رغيفا وقالت: املأ بهذا بطنك وعقلك وعينيك وأذنيك ومشاعرك. آه، آه! ممكن واحد معه أربع مستحيلات١؛ إن هذا لا يلبثني أن يذهب مني بالأربعة التي تمسكني على الحياة: الأمل والعقل والإيمان والصبر.
١ الرغيف يملأ البطن فهذا هو الممكن ولكن عمله في الباقيات مستحيل.