أن تأثم في فتدخل النار بحبي، ولو أنك ابتعتني من مولاي؟ فقلت: بكم اشتراك؟ قالت: بألف دينار! قلت: وأين هي مني وأنا لو بعت نفسي ما حصلت لي؟
فتمم الشيطان موعظته، وقالت وأشارت إلى قلبها: إن قلبي هذا قبلك غنيا كنت أو فقيرا، وأحس بك وحدك حب العذارء أول ما تحب، وأنا -كما تراني- أعيش في السيئات كالمكرهة عليها، فسأعمل على أن تكون أنت حسنتي عند الله، أذهب إليه حاملة في قلبي حبي إياك وعفتي عنك، ولئن كانت عفة من لا يشتهي ولا يجد تعد فضيلة كاملة، إن عفة من يجد ويشتهي لتعد دينا بحاله، ولا يزال حبي بكرًا، ولا أزال في ذلك عذراء القلب، وهؤلاء قد نزعوا الحياء عني من أجل أنفسهم، فألبسنيه أنت من أجلك خاصة؛ وإن قوة حبي كالذي سيتألم بك ويتعذب منك لطول ما يصبر عنك، ستكون هي بعينها قوة لفضيلتي وطهارتي.
ثم تناولت عودها وسوته وغنت:
فلو أنا على حجر ذبحنا ... جرى الدميان بالخبر اليقين١
وجعلت تتأوه في غنائها كأنها تذبح ذبحا، ثم وضعت العود جانبا وقالت: ما أشقاني! إذا اتفقت لي ساعة زواجي في غير وقتها فجاءت كالحلم يأتي بخيال الزمن فلا يكون فيه من الأشياء إلا خيال الأشياء.
ثم سألتني: ما بالك لم تشرب الخمر ولم تدخل في الديوان؟ فبدر شيطاني المؤمن وساق في لساني خبر أمي وأبي، فانتضحت عيناها باكية وتم لها رأي في كرأيي أنا في المسكر؛ وكان شيطانها بعد ذلك شيطانا خبيثا مع أصحابها، وبطريقا زاهدا معي أنا وحدي!
ورأيتها لا تجالسني إلا متزايلة كالعذراء الخفرة إذا انقبضت وغطت وجهها، وصارت تخافني لأنها تحبني، وهيبني الشيطان إليها فعادت لا ترى في الرجل الذي هو تحت عينيها الثيبتين, ولكن القديس الذي تحت قلبها البكر.
ولم يعد جمالي هو الذي يعجبها ويصبيها، بل كان يعجبها مني أني صنعة فضيلتها التي لم تصنع شيئا غيري.
وانطلق الشيطان بعد ذلك في وفيها بدهائه وحنكته وبكل ما جرب في النساء
١ كانت العرب تزعم أنه إذا قتل اثنان فجرى دمياهما طريق واحد ثم التقيا، حكم عليهما أنهما كانا متحابين، فإن لم يلتقيا حكم عليهما أنهما كانا متشانئين. وما أجملها خرافة وأشعرها.