بنظامها، ولكن الإنسان أشياء متناقضة بطبيعتها، فألوهيته أن يقر النظام بين هذه المتناقضات، كأنما امتحن فأعطى من جسمه كونا فيه عناصر الاضطراب، وحوله عناصر الاضطراب، ثم قيل له دبره.
فضحك إبليس. قال الشيخ: مم ضحكت لعنك الله؟
قال: ضحكت من أنك أعلمتني حقيقة الإبليسية، فالزهاد هم الصالحون لأن يكونوا أعظم الأبالسة.
قال الشيخ: عليك لعنة الله، فما هي تلك الحقيقة التي زعمت؟
قال إبليس: والله يا أبا عامر، ما غلا إنسان في زعم التقوى والفضيلة إلا كانت هذه هي الإبليسية؛ وسأعلمك يا أبا عامر حقيقة الزهد والعبادة. فلا تقل: إنها ألوهية تقر النظام بين متناقضات الإنسان ومتناقضات الطبيعة.
قال الشيخ: وتسخر مني لعنك الله؟ فمتى كنت تعلم الحقيقة والفضيلة؟
قال إبليس: أوَلم أكن شيخ الملائكة؟ فمن أجدر من شيخ الملائكة أن يكون عالمها ومعلمها؟
قال: عليك لعنة الله؛ فما هي حقيقة الزهد والعبادة؟
قال إبليس: حقيقتها يا أبا عامر، هي التي أعجزتني في نبيكم.
قال الشيخ: صلى الله عليه وسلم؛ فما هي؟
قال إبليس: هي ثلاث بها نظام النفس, ونظام العالم، ونظام اللذات والشهوات؛ أن تكون لك تقوى، ثم يكون لك فكر من هذه التقوى، ثم يكون لك نظر إلى العالم من هذا الفكر. ما اجتمعت هذه الثلاث في إنسان إلا قهر الدنيا وقهر إبليس.
فإن كانت التقوى وحدها -كتقوى أكثر الزهاد والرهبان- فما أيسر أن أجعل النظر منها نظر الغفلة والجبن والبلادة والفضائل الكاذبة، وإن كان الفكر وحده -كفكر العلماء والشعراء- فما أهون أن أجعل النظر به نظر الزيغ، والإلحاد والبهمية والرذائل الصريحة.
قال الشيخ: صدق الله العظيم: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: ٢٠١] .
قال إبليس: يا أبا عامر! ما يضرني والله أن أفسر لك، فإن قارورة من الصبغ