للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خمس وخمس ستة أو سبعة ... قولان قالهما الخليل وثعلب

ثم أجمعت الرجوع من يومي إلى "طنطا"، لأتقي البرد بعلاجه إن نالني أثره, وكان علي وقت إلى أن يقوم القطار، فذهبت فقضيت واجبا من زيارة بعض الأقارب في ضاحية "الجيزة"، ثم ركبت الترام الذي أعلم أنه ذاهب إلى محطة سكة الحديد.

وجلست أفكر في إبليس ومقالته، والترام ينبعث في طريقه نحو ثلث الساعة، حتى بلغ الموضع الذي ينعرج منه إلى المحطة وهو بحيال "جمعية الإسعاف"، حيث تنشعب طرق أخرى؛ وكنت منصرفا إلى التفكير مستغرقًا فيه، طائف النظارت على الجو، فما راعني إلا اختلاف منظر الطريق، وأنتبه، فإذا الترام يمرق مروق السهم في تلك السبيل الصاعدة إلى "الجيزة" من حيث جئت.

فلعنت الشيطان وتلبثت حتى وقف هذا الترام، فغادرته ورجعت مهرولا إلى ذلك المنشعب، فصادفت تراما آخر، فوثبت إليه كأني أحمل إليه حملًا، ودفعت الأجرة، وانطلق، فإذا هو منصب في تلك الطريق عينها الذاهبة إلى الجيزة من حيث جئت, ولا أستطيع الانحدار منه وهو منطلق، فتسخطت ولعنت الشيطان مرة أخرى، ورأيت أن عبثه قد ترادف؛ فلما سكن الترام رجعت مهرولًا إلى ذلك المنشعب ولم يبق من الوقت غير قليل.

وأنظر ثم، فإذا ترام وراء ترام، وإذا قد وقعت حادثة لإحدى السيارات واجتمع الناس وسدت الطريق، فجعلت أغلي من الغيظ، ولعنت هذا الدعابة الخبيث. وأذكرني اللعين نادرة الأعرابي الذي عضه ثعلب، فأتى راقيا، فقال له الراقي: ما عضك؟ فاستحي أن يقول: ثعلب، وقال: كلب. فلما ابتدأ الرجل برقية الكلب، قال له الأعرابي: واخلط بيها شيئا من رقية الثعالب.

ثم إني لم أر بدا من بلوغ المحطة على قدمي لأتم على عزيمتي في مراغمة اللعين، فأسرعت أطوي الأرض وكأنما أخوض في أحشائه وكان بصدري التهاب فهاج بي، غير أني تجلدت واتسعت لاحتماله وبلغت حيث أردت. ثم ذهبت ألتمس في القطار عربة خاصة أعرفها، كانت من عربات الدرجة الأولى فجعلوها في الثانية يرفهون بها بعض الترفيه على طائفة من المسافرين؛ وأصبت فيها مكانا خاليا كأنما كان مهيأ لي بخاصة, فانحططت فيه إلى جانب رجل أوروبي أحسبه

<<  <  ج: ص:  >  >>