ودونت عشرة مجلدات ضخمة انتبهت وأنا أحفظها كلها، فإذا هي جمل صغيرة، جعل الحلم كل نبذة منها سفرا ضخما كما يخيل للنائم أنه عاش عمرًا طويلا وأحدث أحداثًا ممتدة، على حين لا تكون الرؤيا إلا لحظة.
وهذه هي المجلدات التي قلت: إن التاريخ يتكلم بها في التاريخ.
المجلد الأول:
ابتلي هذا الطاغية بنقيصتين: إحداهما من نفسه، والأخرى من غيره، فأما التي من نفسه فإني أراه قد خلق وفي مخه لفافة عصبية من يهودية جده رأس هذه الدعوة؛ فهو الحاكم بن العزيز بن المعز بن القاسم المهدي عبيد الله، ويقولون: إن عبيد الله كان ابن امرأة يهودية من حداد يهودي، فاتفق أن جرى ذكر النساء في مجلس الحسين بن محمد القداح، فوصفوا له تلك المرأة اليهودية، وأنها آية في الحسن، وكان لها من الحداد ولد، فتزوجها الرجل وأدب ابنها وعلمه، ثم عرفه أسرار الدعوة العلوية وعهد إليه بها.
ومن بعض اللفائف العصبية في المخ ما ينحدر بالوراثة مطبوعا على خيره أو شره، لا يد للمرء فيه ولا حيلة له في دفعه أو الانتفاء منه، فيكون قدرًا يتسلسل في الخلق ليحدث غاياته المقدورة، فمتى وقع في مخ الإنسان فالدنيا به كالحبلى ولا بد أن تتمخض عنه.
هذه اللفافة اليهودية في مخ هذا الطاغية ستحقق به قول الله تعالى:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}[المائدة: ٨٢] فهو لن يكون العدو للإسلام دون أن يكون الأشد في هذه العداوة، ولن يكون فيها الأشد حتى يفعل بها الأفاعيل المنكرة. وما أرى هذه المآذن القائمة في الجو إلا تخرق بمنظرها عينه من بغضه للإسلام وانطوائه على عداوته، فويل لها منه!
وأما النقيصة الثانية فقد ابتلي بقوم فتنوه بآرائهم ومذهبهم، وهم حمزة بن علي، والأخرم، وفلان، وفلان ... وقد لفقوا للدنيا مذهبا هو صورة عقولهم الطائشة, لا يجيء إلا للهدم، ثم لا يضع أول معاوله إلا في قبة السماء ليهدمها! ولو أنا جمعت هذا المذهب في كلمة واحدة لقلت: هو حماقة حمقاء تريد إخراج الله من الوجود لإدخال الله في بعض الطغاة!
ويتلقبون في مذهبهم بهذه الألقاب: العقل، الإرادة، الإمام، قائم الزمان، علة العلل!