قال المجنون الآخر: هي صاحبته التي يهواها وتهواه؛ وقد استهامها وتيمها وحيرها وخبلها، حتى لا صبر لها عنه؛ فوضعت له تلفونا في رأسه ...
قال "النابغة": وهذا التلفون لا يسمعني صوتها فقط، بل هو ينشقني عطرها أيضًا. وقد تكلمني فيه الملائكة أحيانًا، وأنا ساخط على هذه الحبيبة فإنها غيور تخشى سطواتها على اللائي تغار منهن، ولولا ذلك لكلمتني في هذا التلفون إحدى الحور العين ...
قلنا: أو تغار منها الحور العين؟
قال المجنون الثاني: بل الأمر فوق ذلك، فإن الحور العين يشتمنها ويلعنها؛ "فمما حفظناه" هذا الحديث: "لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذه قاتلك الله؛ فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا".
قال "نابغة القرن العشرين": ويلي على المجنون إنه يريد أن يخلو له موضعي فهو يتمنى هلاكي وانتقالي وشيكا في هذه الدنيا. وهو يقول بغير علم لأنه أحمق ليس له عقدة من العقل، فيزعم أنها تؤذيني، ولو هي آذتني لغضبت قبل ذلك، ولو غضبت لرفعت التلفون. صه إن الجرس يدق.
قال ا. ش: إن للنوابغ لشأنا عجبا، ففي مديرية الشرقية رجل نابغة ماتت زوجته وتركت له غلاما، فتزوج أخرى وهو يعيش في دار أبيه. فلما كان عيد الأضحى سأل أباه مالا يبتاع به الأضحية فلم يعطه. وهو رجل يحفظ القرآن، فذكر إبراهيم "عليه السلام" ورؤياه في المنام أنه يذبح ابنه، فخيل إليه أن هذا باب إلى النبوة، وأن الله قد أوحى إليه، فأخذ الغلام في صبيحة العيد وهم بذبحه، ولولا أن صرخ الغلام فأدركه الناس فاستقنذوه ...
قال "نابغة القرن العشرين": هذا مجنون وليس بنابغة؛ بل هذا من جهلاء المجانين؛ بل هو مجنون على حدته. وقد رأيته في البيمارستان في حين كنت أنا في المستشفى ... فكان يزعم أنه ائتمر في ذبح غلامه بإرادة الله. ولو كانت إرادة الله لنفذت بالذبح، ولو كان الأمر وحيا لنزل عليه من السماء كبش يذبحه ... وهكذا أنا في المنطق "نابغة القرن العشرين".
ثم إنه أشار إلى المجنون الثاني وقال: وأنا أتقدم هذا في النبوغ بأكثر من علم العلماء في خمس وستين سنة كاملة.