قال: إن السبب قد تغير فتغير معنى الكلام؛ وقد بدا لي أنه يتمنى هلاكي ليكون هو نابغة القرن العشرين. فمعنى الكلام الآن؛ أنه لو عاش خمسا وستين سنة "يحفظ المتن" لما بلغ مبلغي من العلم. هذا رجل نصفه ميت جنونا موتا حقيقيا، ونصفه الآخر ميت جهلًا بالموت المعنوي.
قال ا. ش: حسبه أن يقلدك تقليد العامي لإمامه في الصلاة وعسى ألا تستكثر عليه هذا فإنه تلميذك.
قال المجنون الثاني "مما حفظناه": لو صور العقل لأضاء معه الليل، ولو صور الجهل لأظلم معه النهار ... ونابغة القرن العشرين هذا لا يعرف كيف يصلي، فقد وقف منذ أيام يصلي بالشعر ... ولما رأيته ناسيا فذكرته ونبهته أن الصلاة لا تجوز بالشعر، التفت إلي وهو راكع فسبني وشتمني وصرخ في وقال: ما شأنك بي؟ هل أنا أصلي لك أنت؟
فغضب "النابغة" وقال: والله إن تحسبونني إلا مجنونا فتريدون أن يقلدني هذا الأحمق الذي ليس له رأي يمسكه. ولولا ذلك لما اعتقدتم أن تقليدي من السهل الممكن، ولعرفتم أن نابغة القرن العشرين نفسه لم يستطع تقليد نابغة القرن العشرين.
قلنا: هذا عجيب، وكيف كان ذلك؟
فضحك وقال: لا أعدكم من الأذكياء إلا إذا عقلتم كيف كان ذلك؟ قال ا. ش: هذا لم يعرف مثله فكيف نعرفه؟ ولم يتوهمه أحد، فكيف نتوهمه؟
قال: لو لم تكن أستاذ نابغة القرن العشرين لما عرفتها؛ وهذا نصف الصواب؛ وما دمت أستاذي، فلو أننا اختلفنا في رأي لكان خلافك لي صوابا لأنه منك، وكان خلافي لك صوابا لأنه مني؛ فأنت "غير مخطئ" وأنا مصيب، وإذا أسقطنا كلمة "غير" أظل أنا مصيبا وتكون أنت مخطئا ...
أنا لم أر "نابغة القرن العشرين" في الرؤيا، ولكني رأيته في المرآة عند الحلاق ... ورأيته يقلدني في كل شيء حتى في الإشارة والقومة والقعدة ولكني صرخت فيه وسببته ففتح فمه، ثم خافني ولم يتكلم ...
وأومأ إلى المجنون الآخر وقال: وأنا أتقدم هذا في النبوغ بأكثر من علم العلماء في خمس وستين سنة.