فقال "النابغة": المصيبة فيك أنك أنت هو أنت؛ ألا فلتعلم أنك من بلهاء البيمارستان لا من بله الجنة ...
قلت: ثم إن الموت لا بد آت على الناس جميعا، فيسلبهم كل ما نالوه من الدنيا، ويلحق من نال بمن لم ينل؛ فمن ذا الذي يسر بأن ينال ما لا يبقى له، إلا أن يكون سروره من حماقته؟ ومن ذا الذي يحزن على أن يفوته ما لا يبقى له، إلا أن يكون حزنه حماقة أخرى؟ وأي شيء في الحب بعد أن ينقضي الحب إلا أنه كان حماقة ضربت في الحواس كلها ملأت النفس؛ ثم ملأت النفس حتى فاضت على الزمن؛ ثم فاضت على الزمن حتى خبلت العاشق تخبيلا لذيذا تصغر فيه الأشياء وتكبر, ويجعل الواقع في النفس غير الواقع في دنياها؟ يشبه كل عاشق حبيبته بالقمر, فهب القمر سمع هذا وفهمه وعناه أن يجيب عنه، فماذا عساه يقول إلا أن يعجب من هذا الحمق في هذا التشبيه؟
فهدأ "النابغة" وسكن غضبه وقال: صدقت، ولهذا أنا لا أشبه حبيبتي بالقمر.
قلت: فبماذا تشبهها؟
قال: لا أقول لك حتى أعلم بماذا تشبه أنت حبيبتك. قلت: وأنا كذلك لا أشببها بالقمر.
قال: فبماذا تشبهها؟ قلت: حتى أعلم بماذا تشبه أنت ...
قال: هذا لا يرضى منك وأنت أستاذ "نابغة القرن العشرين"، ولك حبائب كثيرات عدد كتبك، وقد أعجبتني منهن تلك التي في "أوراق الورد"، وأظنك أحببتها في شهر مايو من سنة ... من سنة ...
قال المجنون الآخر: من سنة ١٩٣٥؛ ها أنا ذا قد نبهتك.
قال: يا ويلك! إن "أوراق الورد" ظهرت من بضع سنين, إنما أنت من بلهاء البيمارستان لا من بله أوراق الورد ... ماذا كنت أقول؟
قال ا. ش: كنت تقول: هذا لا يرضى منك ولك حبائب كثيرات.
قال: نعم، لأنك إذا شبهت واحدة منهن بالقمر، انتهى القمر وفرغ التشبه فيظل الأخريات بلا قمر ... ثم إن كلمة القمر لا تعجبني، فلونها أدكن مغبر١