يضرب أحيانا إلى السواد ... فإذا عشقت زنجية فههنا محل التشبيه بالقمر ... أما البيض الرعابيب فتشبيههن بالقمر من فساد الذوق.
قال س. ع: وللألفاظ ألوان عندك؟
قال: لو كنت نابغة لأبصرت في داخلك أخيلة من الجنة؛ ألم يقل أستاذنا آنفا عن "نابغة القرن العشرين": إنه هبط من كوكب إلى كوكب؟ ففي كوكبنا الأول يكون لنا سمع ملون؛ وحس ملون نسمع قرع الطبل أزرق، ونفخ البوق أحمر، ورنين النغم الحلو أخضر١، والوجود كله صور ملونة، سواء منه ما يرى وما يحس، وما هو مستخف وما هو ظاهر.
ثم أومأ إلى المجنون الآخر وقال: واسم هذا الأبله كلفظ الحبر, لا أسمعه إلا أسود.
وسكت "النابغة" وسكتنا؛ فقال له س. ع: ما لك لا تتكلم؟ قال: لأني أريد السكوت. قال: فلماذا تريد السكوت؟ قال: لأني لا أريد أن أتكلم.
وتحرك في نفسه الغيظ من المجنون الآخر, فرمى بعينه الفضاء ينظر اللاشيء وقال: إذا أصبح كل النساء ذوات لحى أصبح هذا عاقلا ... فدق الآخر برجله دقات معدودة؛ فثار "النابغة" وقال: من هذا يشتمني؟
قال: س. ع: لم يشتمك أحد، هذا خفق رجل على الأرض.
قال: بل شتمني هذا الخبيث، وسمعي لا يكذبني أبدًا، وأنا رجل ظنون، أسيء الظن بكل أحد، وعلامة الحازم "العاقل" سوء ظنه بالناس. فهبه مكما قلت قد خفق بنعله، أو خبط برجله؛ فهو ما يعني من ذلك، وأنا أسمع ما يعنيه, لقد طفح الشعر على قلبي فلا بد لي من هجائه، ولا بد لي أن أذبحه ولو بالكلام، فإني إذا هجوته رأيت دمه في كلماتي، وأريد أن أجعله كالعنز التي كانت عندنا وذبحناها.
ثم انتزع قلم س. ع، وقال: هذه هي السكين. ولكن أسألك يا أستاذي أن تذبحه أنت بكلمتين وتصف له جنونه، فقد عزب عني الشعر ... إن خفقة رجل
١ هذا واقع وليس من الخيال؛ فبعض الناس يسمعون الأصوات ويحسون الأشياء ملونة؛ وعلماء الأمراض العصبية يعرفون هذا ويعللونه بأنه صور ذهنية قد لبسها مؤثر من المؤثرات فهو يصبغها.