للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخبيث هذه النظرة، فإن الخمر لا بد مستحيلة "شربة ملح إنجليزي" ... هذا الأبله ثقيل الدم كأن دمه مأخوذ من مستنقع ... أهذا الذي لا يستطيع أن يقول لشيء في الدنيا: هو لي، إلا الفقر والجنون والخرافة, يكذب ما في الرسالة التي جاء بها البريد المستعجل، ولا يصدق أنها مرسلة إلى نابغة القرن العشرين من صاحب السمو الأمير؟

هذا الذاهب العقل هو كالجبان المنقطع في وحشة القفر، في ظلام الليل: إذا توجس حركة ضعيفة انقلبت في وهمه قصة جريمة ماؤها الرعب وفيها القتل والذبح؛ ولهذا يخشى ما في الرسالة التي جاءت من صديقي صاحب السمو. هاؤم اقرءوا الرسالة.

وفضضنا الغلاف، فإذا ورقتان ممهورتان بتوقيع أمير معروف، إحداهما صك بألف جنيه تدفع "لنابغة القرن العشرين"، والثانية أمر بالقبض على المجنون الآخر ... وإرساله إلى المارستان ...

وذهبت أصلح بينهما صلحا فقلت: إن في الحديث الشريف: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه إذ مر به رجل، فقال بعض القوم: هذا مجنون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: $"هذا مصاب؛ إنما المجنون المقيم على معصية الله".

فقال صاحب المتن: "مما حفظناه" إنما المجنون المقيم على معصية الله.

قلت: وليس فيكما مقيم على معصية الله.

قال المجنون: "مما حفظناه": وليس فيكما مقيم على معصية الله.

قلت: هذا ليس من الحديث ولكنه من كلامي ...

قال "النابغة": أنبأتكم أن هذا الأبله يضل في داره كما يضل الأعرابي في الصحراء؛ وإن الأسطول الإنجليزي لو استقر في ساقية يدور فيها ثور، لكان ذلك أقرب إلى التصديق من استقرار العقل في رأس هذا الأبله؟

فاحتدم الآخر وهم أن يقول: "مما حفظناه"، ولكني أسكته وقلت "للنابغة": إنك دائما في ذروة العالم، فلا غرو أن ترى المحيط الأعظم ساقية. "والنوابغ" هم في أنفسهم نوابغ، ولكنهم في رأي الناس مرضى بمرض الصعود الخيالي إلى ذروة العالم. ومن هذا يكون المجانين هم المرضى بمرض النزول الحقيقي إلى حضيض الآدمية؛ فهناك يعملون فتكون أفكارهم من أعمالهم، ثم تكون عقولهم من

<<  <  ج: ص:  >  >>