للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصح". "ومما حفظناه" قول الأحنف بن قيس: إني لأجالس الأحمق ساعة فأتبين ذلك في "عقلي".

فلم يرعنا إلا قيام المجنون مسلحا بحذائه في يده ... وهو حذاء عتيق غليظ يقتل بضربة واحدة؛ فحلنا بينهما وأثبتناه في مكانه. وقلنا: هذا رجل قد غلب على عقله فلا يدري ما يقول؛ فإذا هو دل على أنه مجنون، أفلا تدل أنت على أنك عاقل؟ ما سألناك في انتحاره وجنونه، بل سألناك رأيك في الحب؛ وما نشك أنك قد أطلت التفكير ليكون الجواب دقيقا، فإنك "نابغة القرن العشرين"، فانظر أن يكون الجواب كذلك.

قال: نعم إن العاقل إذا ورد عليه السؤال أطال الفكر في الجواب، فاكتب يا فلان "س. ع":

"جلس نابغة القرن العشرين مجلس الإملاء مرتجلا فقال١: قصة الحب هي قصة آدم، خلق الله المرأة من ضلعه. فأول علامات الحب أن يشعر الرجل بالألم كأن المرأة التي أحبها كسرت له ضلعا ... وكل قديم في الحب هو قديم بمعنى غير معقول، وكل جديد فيه هو جديد بمعنى غير مفهوم؛ فغير المعقول وغير المفهوم هو الحب.

والجمرة الحمراء إذا قيل إنها انطفأت وبقيت جمرة فذلك أقرب إلى الصدق من بقاء الحب حيا بمعناه الأول إذا انطفأ أو برد.

والعاشق مجنون. وجنونه مجنون أيضًا، فهو كالذي يرى الجمرة منطفئة، ويرى مع ذلك أنها لا تزال حمراء، ثم يمعن في خياله فيراها وردة من الورد ... وإذا سألته أن يصف الجمال الذي يهواه كان في ذلك أيضا مجنون الجنون، كالذي يرى قمر السماء أنه قد تفتت وتناثر ووقع في الروضة، فكان نثاره هو الياسمين الأبيض الجميل الذكي ...

والمجنون يرى الدنيا بجنونه والعاقل يراها بعقله؛ ولكن العاشق المخبول لا ينظر من يهواه إلا بقية من هذا وبقية من ذلك، فلا يخلص مع حبيبه إلى جنون ولا عقل.

"والمجهول" إذا أراد أن يظهر في دماغ بشري لم يسعه إلا أحد رأسين: رأس المجنون ورأس العاشق ...


١ هذا نص عبارته حين يريد التخليط.

<<  <  ج: ص:  >  >>