للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ... ما لذة العيش إلا للمجانين

العقل إن حكم العشاق أثقل من ... فقر تحكم في رزق المساكين

ونشر س. ع. الورقة فإذا فيها:

قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ... ما لذة العيش إلا للمجانين

إن العيوب عن المجنون دافعة ... بأنه نابغ في القرن العشرين

وضحكنا جميعا؛ فقال النابغة: أبعدك الله يا س. ع. إن من ائتمن المجنون على سر وقال له اكتمه فكأنما قال له: انشره ...

ثم قال: وددت -والله- أن يكون س. ع. هذا "نابغة"، ولكني سأجعله نابغة، فقد صار له علي حق الصديق وهو حق لا أضيعه ولا أخل به. فإذا احتجت يا س. ع. إلى خطاب رنان تلقيه في حفل عظيم، أو قصيدة تمدح بها وزير المعارف، فالجأ إلي فإني ملجأ لك. ومتى انتحلت شعري كنت عند الناس المتنبي أو البحتري. أو ابن الرومي، فإن هؤلاء القدامى لم ينفعهم إلا أنني لم أكن فيهم، ولما لم أكن فيهم أعجبوا الناس إذ إنني لم أكن فيهم ...

قلنا فما حكمك عليهم في الأدب؟

قال: إذا حكمت عليهم فقد جعلت نفسي بينهم، فمن الطبيعي ألا يعجبني منهم أحد. إن "نابغة القرن العشرين" لا يقول لمعنى هذا أحسن، فإنه هو فوق الأحسن، ولا يقول عن نابغة هذا أشهر، فإنه هو فوق الأشهر.

قلت: كأن الدنيا تحت قدميك وأنت فيها الزاهد العظيم الذي لا يقول في حسن هذا أحسن لأنه فوق الشهوة، ولا في نعيم هذا أطيب لأنه فوق الطمع، ولا في مال هذا أكثر لأنه فوق الحرص. وأحسبك لو كنت ترعى غنما لكنت الحقيق في عصرنا بقول تلك الراعية الزاهدة: أصلحت شأني بيني وبينه فأصلح بين الذئب والغنم.

قال: وكيف ذلك؟

قلت: حكي عن بعض الصالحين أنه فكر ذات ليلة فقال في نفسه: يا رب! من زوجتي في الجنة؟ فأري في منامه ثلاث ليال أنها جارية سوداء في أرض كذا, فجاء تلك الأرض فسأل عن الجارية، فقال له رجل: ما هذا؟ تسأل عن جارية سوداء مجنونة كانت لي فأعتقتها؟ قال: وماذا رأيتم من جنونها؟ قال: كانت تصوم النهار فإذا أعطيناها فطورها تصدقت به، وكانت لا تهدأ الليل ولا تنام فضجرنا منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>