والمادة المطهرة للدين والأخلاق لا تجدها الأمة إلا في الأزهر، فعلى الأزهر أن يثبت أن فيه تلك المادة بإظهار عملها لا بإلصاق الورقة المكتوب فيها الاسم على الزجاجة..
ومن ثم يكون واجب الأزهر أن يطلب الإشراف على التعليم الإسلامي في المدارس، وأن يدفع الحركة الدينية دفعًا بوسائل مختلفة، أولها أن يحمل وزارة المعارف على إقامة فرض الصلاة في جميع مدارسها، من مدرسة حرية الفكر.. فنازلًا، والأمة الإسلامية كلها تشد رأي الأزهر في هذا.
وإذا نحن استخرجنا التفسير العملي لهذه الآية الكريمة:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} دلتنا الآية بنفسها على كل تلك الوسائل، فما الحكمة هنا إلا السياسة الاجتماعية في العمل، وليست الموعظة الحسنة إلا الطريقة النفسية في الدعوة.
العلماء ورثة الأنبياء؛ وليس النبي من الأنبياء إلا تاريخ شدائد ومحن، ومجاهدة في هداية الناس، ومراغمة للوجود الفاسد، ومكابدة التصحيح للحالة النفسية للأمة؛ فهذا كله هو الذي يورث عن الأنبياء لا العلم وتعليمه فقط.
وإذا قامت رسالة الأزهر على هذه الحقائق، وأصبح وجوده هو المعنى المتمم للحكومة، المعاون لها في ضبط الحياة النفسية للشعب وحياطتها وأمنها ورفاهتها واستقرارها -اتجهت طبيعته إلى أداء رسالته الكبرى للقرن العشرين، بعد أن يكون قد حقق الذرائع إلى هذه الرسالة، من فتح باب الاجتهاد، وتنقية التاريخ الفقهي، وتهذيب الروح الإسلامي والسمو به عن المعاني الكلامية الجدلية السخيفة؛ ثم استخراج أسرار القرآن الكريم الكامنة فيه، لهذه العصور العلمية الأخيرة؛ وبعد أن يكون قد اجتمعت فيه القوة التي تمسك الإسلام على سنته بين القديم والجديد، لا ينكره هذا ولا يغيره ذاك، وبعد أن يكون الأزهر قد استفاض على العالم العربي بكتبه ودعاته ومبعوثيه من حاملي علمه ورسل إلهامه.
أما تلك الرسالة الكبرى فهي بث الدعوة الإسلامية في أوربا وأمريكا واليابان، بلغات الأوروبيين والأمريكيين واليابانيين، في ألسنة أزهرية مرهفة مصقولة، لها بيان الأدب، ودقة العلم، وإحاطة الفلسفة، وإلهام الشعر، وبصيرة