أشهد ما نظرت مرة إلى هذا الرسم ثم نظرت إليها إلا وجدت الفرق بينها في نفسها وبينها في الصورة، كأنه اعتذار ناطق من آلة التصوير بأنها ليست إلا أداة.
قلت: اللهم غفرا؛ ثم ماذا يا صديقي المجنون؟
فأطرق الأديب مهمومًا، وكانت أفكاره تنفجر في دماغه انفجارًا هنا وانفجارًا هناك؛ ثم رفع إلى رأسه، وقال:
هذه الغانية قد حبست أفكاري كلها في فكرة واحدة منها هي؛ وأغلقت أبواب نفسي ومنافذها إلى الدنيا، وألهبت في دمي جمرة من جهنم فيها عذاب الإحراق وليس فيها الإحراق نفسه؛ كيلا ينتهي منها العذاب!
وبيننا حب بغير طريقة الحب، فإن طبيعتي الروحانية الكاملة تهوى فيها طبيعتها البشرية الناقصة، فأنا أمازجها بروحي فأتألم لها، وأتجنبها بجسمي فأتألم بها.
حب عقيم مهما يكن من شيء فيه لا يكن فيه شيء من الواقع ...
حب عجيب لا تنتفي منه آلامه ولا تكون فيه لذاته.....
حب معقد لا يزال يلقي المسألة بعد المسألة، ثم يرفض الحل الذي لا تحل المسألة إلا به ...
حب أحمق يعشق المرأة المبذولة للناس، ولا يراها لنفسه إلا قديسة لا مطمع فيها ...
حب أبله لا يزال في حقائق الدنيا كالمنتظر أن تقع على شفتيه قبلة من الفم الذي في الصورة ...
حب مجنون كالذي يرى الحسناء أمام مرآتها فيقول لها اذهبي أنت وستبقي في هذه التي في المرآة ...
قلت: اللهم رحمة؛ ثم ماذا يا صاحبي المسكين؟
قال: ثم هذه التي أحبها هي التي لا أريد الاستمتاع بها ولا أطيقه ولا أجد في طبيعتي جرأة عليه، فكأنها الذهب وكأني الفقير الذي لا يريد أن يكون لصًّا؛ يقول له شيطان المال: تستطيع أن تطمع؛ ويقول له شيطان الحاجة: وتستطيع أن تفعل؛ ويقول هو لنفسه: لا أستطيع إلا الفضيلة!