للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك تبينت مما علمني الحب أن طرد آدم وحواء من الفردوس، كان معناه ثقل معاني الفردوس وعرضها لكل آدم وحواء يمثلان الرواية.. فإذا "قطفا الثمرة" طردا من معاني الجنة*، وهبط بعد ذلك من أخيلة السماء إلى حقائق الأرض.

نعم هو الحب شيء واحد في كل عاشق لكل جميل، غير أن الفرق بين أهله يكون في جماله العمل أو قبح العمل؛ وهذه النفوس مصانع مختلفة لهذه المادة الواحدة؛ فالحب في بعضها يكون قوة وفي بعضها يكون ضعفًا؛ وفي نفس يكون الهوى حيوانيًّا يراكم الظلم على الظلمة في الحياة، وفي أخرى يكون روحانيًّا يكشف الظلام عن الحياة.

والمعجزة في هذا الإنسان الضعيف أنه مع طبيعة كل شيء طبيعية الإحساس به، فهو مستطيع أن يجد لذة نفسه في الألم، قادر على أن يأخذ هبة من معاني الحرمان؛ وبهذه الطبيعة يسمو من يسمو، وهي على أتمها وأقواها في عظماء النفوس، حتى لكأن الأِياء تأتي هؤلاء الظلمة سائلة: ماذا يريدون منها؟

فمن أراد أن يسمو بالحب فليضعه في نفسه بين شيئين: الخلق الرفيع، والحكمة الناضجة؛ فإن لم يستطع فلا أقلّ من شيئين: الحلال، والحرام**.

أنا أنا الذي يقص للقراء هذه القصة، أعرف هذا كله، وبهذا كله فهمت قول صاحب القلب المسكين: إن ظهور صاحبته في فصل العروس هو انتقامها، حاصرت عيناها عينه، وزحفت معانيها على معانيه، وقاتلت قتال جسم المرأة المحبوبة في معركة حبها، وبكلمة واحدة: كأنما ليست هذه الثياب لتظهر له بلا ثياب..

وأردت أن أعيبها بما صنعت نفسها له، وأن أعيبه هو بدخوله فيما لا يشبهه، وقلت في غير طائل ولا جدوى، فما كنت إلا كالذي يعيب الورد بقوله: يا عطر الشذى، ويا أحمر الخدين!

وقد أمسك عن جوابي، وكانت محاسنها تجعل كلماتي شوهاء، وكان وضوحها يجعل معانيَّ غامضة، وكانت حلاوتها تجعل أقوالي مرة، وكانت ثياب العروس وهي تزف تريه ألفاظي في ثياب العجوز المطلقة؛ وكلما غاضبته مع نفسه أوقعت هي الصلح بينه وبين نفسه.


* أي طردًا كالطرد من الجنة.
** بسطنا هذا المعنى في المقالة الثانية من هذه المقالات على وجه آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>