للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: إنها تبتدئ متكسبة لا عاشقة، فإذا أحبت الحب الصحيح أرادت قيمتها فيما هو قيمتها؛ وأنا أحسبها تحب فيك هذا العنف وهذه القسوة وهذه الروحية الجبارة؛ فإنها لذات جديدة للمرأة التي لا تجد من يخضعها؛ وفي طبيعة كل امرأة شيء لا يجد تمامه إلا في عنف الرجل، غير أنه العنف الذي أوله رقة وآخره رقة؟

أما والله إن عجائب الحب أكثر من أن تكون عجيبة؛ والشيء الغريب يسمى غريبًا فيكفي ذلك بيانًا في تعريفه، غير أنه إذا وقع في الحب سمي غريبًا فلا تكفيه التسمية، فيوصف مع التسمية بأنه غريب فلا يبلغ فيه الوصف، فيقع التعجب مع الوصف والتسمية من أنه شيء غريب، ثم تبقى وراء ذلك منزلة للإغراق في التعجب بين العاشق وبين نسفه؛ وهكذا يشعرون.

فكل أسرار الحب من أسرار الروح ومن عالم الغيب؛ وكأن النبوة نبوتان: كبيرة وصغيرة، وعامة وخاصة. فإحداهما بالنفس العظيمة في الأنبياء، والأخرى بالقلب الرقيق في العشاق؛ وفي هذه من هذه شبه؛ لوجود العظمة الروحية في كلتيهما غالبة على المادة، مجردة من إنسان الطين من النور، محركة هذه الطبيعة الآدمية حركة جديدة في السمو، ذاهبة بالمعرفة الإنسانية إلى ما هو الأحسن والأجمل، واضعة مبدأ التجديد في كل شيء يمر بالنفس، منبعثة بالأفراح من مصدرها العلوي السماوي.

بيد أن في العشق أنبياء كذبة؛ فإذا تسفل الحب في جلال، واستعلنت البهيمية في عظمة، وتجرد من إنسان الطين إنسان الحجر، وتحركت الطبيعة الآدمية حركة جديدة في السقوط، وذهبت المعرفة الإنسانية إلى ما هو الأقبح. والأسوأ، وتجدد لكل شيء في النفس معنى فاسد، وانبعثت الأفراح من مصدرها السفلى- إذا وقع كل هذا من الحب فما عساه يكون؟

لا يكون إلا أن الشيطان يقلد النبوة الصغيرة في بعض العشاق، كما يقلد النبوة الكبيرة في بعض الدجالين.

هكذا قال صاحب القلب المسكين وقد تكلم عن الحب ونحن جالسان في الحديقة، وكنا دخلناها ليجدد عهدًا بمجلسه فلعله يسكن بعض ما به؛ واستفاض

<<  <  ج: ص:  >  >>