قالت الشيطانة: وهب الحادثة لم تقع، فكيف تعرف الجامعة ما يحدث في القلوب؟ ومن هذا الذي يستطيع أن يقرأ قصة تؤلفها أربع أعين في وجهين؟ وكيف تكشف الحقيقة التي أول وجودها كتمان الكلام عنها، وأول الكلام عنها الهمس بين اثنين دون غيرهما؟ ومن ذا الذي طاقته أن يمد بيده إلى قلبين في تلقي الرسائل كصندوقي البريد..؟
اسمع اسمع هذا الآخر.. فاسترق الشيطان السمع فإذا طالب يقرأ في صحيفة أخرى على جماعته:
"والذين يزعمون أن الاتصال بين الطالبات والطلة خطر، إنما يسيئون إلى أخلاقكم.. والحق أيها الأصدقاء أن الذي حملني على أن أغصب وأثور إنما هو الدفاع عن الكرامة الجامعية".
قال الشيطان: كل الرضا كل الرضا.. هذا كلام داهية أريب، فلقد أحسن قائله الله! إنها عبارات جامعية محكمة السبك تقوم على أصولها من فن السياسة الخطابية؛ وكل من أظنوه بتهمة فلا يستطيع أن يمخرق على الناس بأحسن من هذا ولا بمثل هذا.
وليس لنا أقوى من هذا الطبع القوي الذي يشعر بالنقص فلا هم له إلا إثبات ذاته في كل ما يجادل فيه دون إثبات الصواب ولو كان الناس جميعًا في هذا الجانب وكان هو وحده في جانب الخطأ.
ولكن أف! ماذا صنع هذا القائل؟ وأين التهمة التي لا تبدل اسمها في اللغة؟ وأين الذنب الذي يرضى أن توضع اليد عليه؟ وهل إنكار المذنب إلا احتجاج من كرامته الزائفة وإظهار الغضب في بعض ألفاظ؟..
إن هذا كغيره من الضعفاء حين يمارون؛ ألا ما أكذب الكذب هنا! فإن الفساد ليقع من اختلاط الجنسين في الجامعة الأوروبية ثم لا يعد ذلك عندهم إساءة إلى الأخلاق، ولا غضًّا من الكرامة الجامعية؛ وفي فرنسا يجتمع الشبان والفتيان من طلبة الجامعة ويحتسون الخمر ويتراقصون ويتواعدون ثم لا تقول لهم الأخلاق: أين أنتم؟.. وهناك في الأندية الخاصة بالطلبة ينتخبون ملكة الجمال من بين الطالبات كل سنة، ثم ينزعون بأيديهم ثيابها التي تسمى ثيابًا، ويطوفون بها غرف النادي كعروس واحدة مجلوة على مائة زوج في المعنى، "وبلنسوار" أيتها الكرامة الجامعية..