لقد كانت كالعروس في زينتها ليلة الجلوة على محبها، ما هي إلا الشمس الضاحية، وما هي إلا أشواق ولذات، وما هي إلا اكتشاف أسرار الحب، وما هي إلا هي؛ فإذا العروس عند رئيس التحرير هي المطلقة، وإذا المعجب هو المضحك، ويقول الرجل: أما نظريًّا فنعم، وأما عمليًّا فلا؛ وهذا عصر خفيف يريد الخفيف، وزمن عامي يريد العامي، وجمهور سهل يريد السهل؛ والفصاحة هي إعراب الكلام لا سياسته بقوى البيان والفكر واللغة، فهي اليوم قد خرجت من فنونها واستقرت في علم النحو.
وحسبك من الفرق بينك وبين القارئ العامي: أنك أنت لا تلحن وهو يلحن.
قال أبو عثمان: وهذه -أكرمك الله- منزلة بقل فيها الخاصي ويكثر العامي فيوشك ألا يكون بعدها إلا غلبة العامية، ويرجع الكلام الصحافي كله سوقيًا بلديًّا "حنشصيًّا"، وينقلب النحو نفسه وما هو إلا التكلف والتوعر والتقعر كما يرون الآن في الفصاحة، والقليل من الواجبات ينتهي إلى الأقل؛ والأقل ينتهي إلى العدم، والانحدار سريع يبدأ بالخطوة الواحدة، ثم لا تملك بعدها الخطى الكثيرة.
لا جرم فسد الذوق وفسد الأدب وفسدت أشياء كثيرة كانت كلها صالحة، وجاءت فنون من الكتابة ما هي إلا طبائع كتابها تعمل فيمن يقرؤها عمل الطباع الحية فيمن يخالطها، ولو كان في قانون الدولة تهمة إفساد الأدب أو إفساد اللغة، لقبض على كثيرين لا يكتبون إلا صناعة لهو ومسلاة فراغ وفسادًا وإفسادًا؛ والمصيبة في هؤلاء ما يزعمون لك من أنهم يستنشطون القراء ويلهونهم، ونحن إنا نعمل في هذه النهضة لمعالجة اللهو الذي جعل نصف وجودنا السياسي عدمًا؛ ثم لملء الفراغ الذي جعل نصف حياتنا الاجتماعية بطالة؛ وهذا أيضًا مما جعل عمك أبا عثمان في هذه الصحافة من "صعاليك الصحافة"، وتركه في المقابلة بينه وبين بعض الكتاب كأنه في أمس وكأنهم في غد.
ودق الجرس يدعو أبا عثمان إلى رئيس التحرير ...
فما شككت أنهم سيطردونه، فإن الله لم يرزقه لسانًا مطبعيًا ثرثارًا يكون كالمتصل من دماغه بصندوق حروف ... ولم يجعله كهؤلاء السياسيين الذين يتم بهم النفاق ويتلون، ولا كهؤلاء الأدباء الذين يتم بهم التضليل ويتشكل.
ورجع شيخنا كالمخنوق أرخي عنه وهو يقول: ويلي على الرجل! ويلي من