للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعدما كان كالريح السافية بترابها؛ لأن الزحام في بيت أبي تمام حقيق بسوق قائمة للبيع والشراء، لا بقلب امرأة يحبها، بل هو يجعل قلب المرأة شيئًا غريبًا كأنه ليس عضوًا في جسمها، بل غرفة في بيتها ... وقد سبق شاعرنا أبا تمام بمراحل في إبداعه وذوقه ورقته.

والبيت الرابع من قول الشاعر الظريف:

قف واستمع سيرة الصب الذين قتلوا ... فمات في حبهم لم يبلغ الغرضا

رأى فحب فسام الوصل فامتنعوا ... فرام صبرًا فأعيا نيله فقضى

وهذه "فاءات" تجر إلى القبر ونعوذ بالله منها ... ومما كنت أعيبه على شوقي ضعفه في فنون الأدب، فإن المويلحي الكاتب الشهير انتقد في جريدته "مصباح الشرق" أبيات "خدعوها" عند ظهور الشوقيات في سنة ١٨٩٩، فارتاع شوقي وتحمل عليك ليمسك عن النقد، مع أن كلام المويلحي لا يسقط ذبابة من ارتفاع نصف متر ... ومن مصيبة الأدب عندنا، بل من أكبر أسرار ضعفه، أن شعراءنا لا طاقة لهم بالنقد، وأنهم يفرون منه فرارًا ويعملون على تفاديه وأنهم لا يحسنون غير الشعر؛ فلا البارودي ولا صبري ولا حافظ ولا شوقي كان يحسن واحد منهم أن يدفع عن نفسه أو يكتب فصلًا في النقد الأدبي، أو يحقق مسألة في تاريخ الأدب.

ومن معاني شوقي السائرة:

لك نصحي وما عليك جدالي ... آفة النصح أن يكون جدالًا

وكرره في قصيدة أخرى فقال:

آفة النصح أن يكون جدالًا ... وأذى النصح أن يكون جهارًا

والبيتان في شعر صباه أيضًا، وهما من قول ابن الرومي:

وفي النصح خير من نصيح موادع ... ولا خير فيه من نصيح مواثبِ

فصحح شوقي المعنى وأبدل المواثبة بالجدال، وذلك هو الذي عجز عنه ابن الرومي؛ ومن إبداعه في قصيدته "صدى الحرب" يصف هزيمة اليونان:

يكادون من ذعر تفر ديارهم ... وتنجو الرواسي لو حواهن مشعب

يكاد الثرى من تحتهم يلج الثرى ... ويقضم بعض الأرض بعضًا ويقضب

وهذا خيال بديع في الغاية، جعل هزيمتهم كأنها ليست من هول الترك، بل من

<<  <  ج: ص:  >  >>