هول القيامة؛ وهو مع ذلك مولد من قول أبي تمام في وصف كرم ممدوحه أبي دلف:
تكاد مغانيه تهش عراصها ... فتركب من شوق إلى كل راكب
فقاس شاعرنا على ذلك؛ وإذا كادت الدار تركب إلى الراكب إليها من فرحها، فهي تكاد تفر مع المنهزم من ذعرها؛ ولكن شوقي بني فأحكم وسما على أبي تمام بالزيادة التي جاء بها في البيت الثاني.
ومن أحسن شعره في الغزل:
حوت الجمال فلو ذهبت تزيدها ... في الوهم حسنًا ما استطعت مزيدًا
وهو من قول القائل:
ذات حسن لو استزادت من الحسـ ... ـن إليها لما أصابت مزيدا
غير أن شوقي قال: لو ذهبت تزيدها في الوهم ... والشاعر قال: لو استزادت هي؛ فلو خلا بيت شوقي من كلمة "في الوهم" لما كان شيئًا، ولكن هذه الكلمة حققت فيه المعنى الذي تقوم عليه كل فلسفة الجمال؛ فإن جمال الحبيب ليس شيئًا إلا المعاني التي هي في وهم محبه؛ فالزيادة تكون من الوهم، وهو بطبيعته لا ينتهي؛ فإذا لم تبق فيه زيادة في الحسن فما بعد ذلك حسن، وقد بسطنا هذا المعنى في صور كثيرة في كتبنا:"رسائل الأحزان" و "السحاب الأحمر"، و "أوراق الورد"؛ فانظر فيها.
ومما يتمم ذلك البيت قول شوقي في قصيدة النفس:
يا دمية لا يستزاد جمالها ... زيديه حسن المحسن المتبرع
وهذا المعنى يقع من نفسي موقعًا وله من إعجابي محل؛ فهذه الزيادة التي فيه كزيادة العمر لو أمكنت، وهي في موضعها كما ينقطع الخط ثم يتصل، وكما يستحيل الأمل ثم يتفق ويسهل؛ وقد علمت مأخذ الشطر الأول، أما الثاني فهو من قول ابن الرومي:
يا حسن الوجه لقد شنته ... فاضمم إلى حسنك إحسانا
وفي القصيدة التي رثى بها ثروت باشا وهي من أحسن شعره تجد من أبياته هذا البيت النادر:
وقد يموت كثير لا تحسهمو ... كأنهم من هوان الخطب ما وجدوا
وشوقي يعارض بهذه القصيدة أبا خالد بن محمد المهلبي في داليته التي رثى