للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على كل صور الجمع التي يسوغها القياس؛ لأن ههنا الموجبة التي لم تكن مع العرب فيهما؛ فمن الصحيح أن تقول: زهور، وأزهار، وأزاهر، وأزاهير الخ، فلما لقيت الدكتور بعد نشر هذا الرد هنأني به، ثم قال فيما قال: يحسبون أن العرب هم الجمل والناقة وليس غير ما استجمل وما استنوق.. أما هذا الدهر الطويل العريض فليس عندهم شيئًا، وهم يستطيعون أن ينكروا على المولدين ألف كلمة، ولكن هل في استطاعتهم أن ينكروا على التاريخ ألف سنة؟ فذكرت له الأصل الذي قرره أبو علي الفارسي في العربي الصحيح نفسه: من أنه ليس كل ما يجوز في القياس يجب أن يخرج به سماع، فإذا أخذ إنسان على طريقة العرب وأم مذهبهم فلا يسأل ما دليله وما سماعه وما روايته، ولا يجب عليه من ذلك شيء، حتى قال أبو علي: لو شاء شاعر أو متسع أن يبني بإلحاق اللام* اسمًا وفعلًا وصفة لجاز له، ولكان ذلك من كلام العرب؛ وذلك نحو قولك: خرجج أكثر من دخلل، وضربب زيد عمرًا، ومررت برجل ضربب وكرمم، ونحو ذلك. قال تلميذه ابن جني: فقلت له: أترتجل اللغة ارتجالًا؟ قال: ليس بارتجال لكنه مقيس على كلامهم فهو إذًا من كلامهم.

وسألني مرة عن وجه الخلاف بين ما يسمونه القديم والجديد، فقلت له: إن الخلاف ليس علي جديد ولا قديم، ولكن على ضعف وقوة؛ فإن قومًا يكتبون وينظمون ولكن لم تقسم الفصاحة والبلاغة على مقدار ما يطيقونه من ذلك، ولا يتسع الصحيح لآرائهم في اللغة والأدب، وقد أرادوا أن يسعوا كل ذلك من حيث ضاقوا، ويطاولوه من حيث تقاصروا، وينالوه من حيث عجزوا؛ فظنوا بالأمر ما يظن إنسان يمشي على الأرض ويعرف أنها تدور، فيؤول ذلك بأنه هو يدير الأرض على محورها بحركة قدميه ... نحن نقول: أسلوب ركيك، فيقولون: لا بل جديد، وتقول: لغة سقيمة، فيقولون: بل عصرية، ونقول: وجه من الخطأ، فيقولون: بل نوع من الصواب، وهلم جرًّا أو سخيًّا ... ثم قلت له: أفتجد أنت الركاكة واللحن والخطأ والغثاثة وإن وأخواتها بابًا جديدًا أو أمرًا مبتدعًا أو شيئًا يحتاج إلى اسم جديد غير اسمه العربي؟ قال: لا، وأنا معك في هذا، وطريقتي في المقتطف أن اللغة في قواعدها عربية، ولكن من قواعدها أن لكل مقام مقالًا، فنحن نكتب كتابة صحيحة ونريد بها أن ترفع العامة ولا تنزل بالخاصة، فنخدم العربية من الجهتين.


* زيادة حرف من جنس لام الكلمة وإلحاقه بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>