والطبيعية والفلسفية وغيرها؛ فلم يكن بد من أن يبتدع، وأن تكون له طريقة يوافق فيها ويخالف، وقد بسط هو القواعد التي أخذ بها وجرى عليها، فكتب فيها مقالًا في "المقتطف" شهر يوليو لسنة ١٩٠٦، وأعاد نشره في عدد شهر مايو لسنة ١٩٢٧، وهو يوافق فيه أكثر العلماء، وخاصة الإمام الجاحظ؛ ومع أن قاعدة الجاحظ لم تكن يومئذ معروفة، ولكن كلا الشيخين حصيف الرأي تام الإدارة في عمله، قوي الحسبة والتدبير فيما يأخذ وما يدع؛ وخلاصة رأي الدكتور أنه ينظر في الكلمة الأعجمية، فإن أصاب لها مرادفًا في العربية يحددها ويفي بها فذاك، وإلا أمرها في كتابته وهو مقيد بقاعدة القارئ وما هو أخف على قارئه في المئونة وأبين له في الدلالة، فإن كانت اللفظة الأعجمية أوفى وأشبع في استعمال عدل إليها، قال: وغني عن البيان أننا التزمنا أن نجاري العلماء في المصطلحات العلمية التي تفقد دلالتها بتعريبها: كالحامض الكبريتوس والكبريتيك ... الخ، فإن لكل من هذه الملحقات والزوائد التي فيها، معنى خاصًّا يدل على تركيب الحامض المراد كما يعلم دارسو الكيمياء؛ قال: فمن يسمي الحامض الكبريتيك بالحامضي الكبريتي كمن يسمي الفرس حمارًا؛ لأن لكل منهما رأسًا وذنبًا..
والجاحظ يقول في مثل ذلك: إن رأيي في هذا الضرب من هذا اللفظ أن أكون ما دمت في المعاني التي هي عبارتها والمادة فيها على أن ألفظ بالشيء العتيد الموجود "يعني اللفظ العلمي الاصطلاحي" وأدع التكلف لما عسى ألا يسلس ولا يسهل إلا بعد الرياضة الطويلة.. ولكل صناعة ألفاظ قد جعلت لأهلها بعد امتحان سواها، فلم تلزق بصناعتهم إلا بعد أن كانت بينها وبين معاني تلك الصناعة مشاكلات.
فأنت ترى الجاحظ لا يمتنع من الألفاظ الأعجمية والعامية كما هي ما دامت المعاني قائمة، وقاعدته هي الأخف والأدل والأفهم والأشيع، وهذا بعينه يقول الدكتور فيه:"يشترط في حسن التعبير أن يؤدي المعنى المراد إلى ذهن السامع بأقل ما يكون من الوقت والكلفة والإسراف في القوة العصبية".
وقد كلمني بعضهم في خطأ الدكتور من ناحية الألفاظ الأعجمية وإقحامها في كتابته، وأنه يجنح إلى ذلك بأوهى سبب؛ ولا أراه خطأ، بل أنا أرد ذلك إلى ما بينه آنفًا من أمر الناقل والواضع ولا يعجزنا أن نجد لصنع الدكتور نصًا يقوم به وينهض بحجته؛ فقد قال أبو علي الفارسي: إن العرب إذا اشتقت من الأعجمي خلطت فيه، فإذا كان هذا في الاشتقاق وهو لا يكون إلا من أصل، فكيف