بالتعريب؟ على أنه لا خلط ولا اضطراب، إنما هو سبيل الوضع وحكمة الدلالة وأن اللغة هكذا تجيء، ثم يأتي بعد ذلك النحوي يقول لماذا ولأن ...
وقد أعجبني حسن تقسيم الدكتور لقواعده التي بسطها في مقاله المستفيض، حتى أني لأراه بابًا جديدًا في التقسيم المعروف عند علماء البلاغة واللغة لابتذاله الألفاظ وغرابتها؛ إذ لم يبق عندنا غريب ومبتذل ولا بيننا عرب ومحدثون.
بيد أن من تلك القواعد أن الأستاذ يترخص في الألفاظ العامية وهو يجد فصيحها، ويقول في ذلك:"إذا أسمعت الفلاح المصري كلمة بذار مرة في الأسبوع أو في الشهر، سمع كلمة "تقاوي" مائة مرة وألف مرة، فرأينا أن محاولة تغيير لغة العامة في هذه الكلمات وأمثالها ضرب من العبث وإضاعة للوقت وتضييع للفائدة، فجاريناهم فيما نكتبه لهم". وهذا ما كنت أجادله فيه ولا أسلم له بشيء منه؛ لأنه أغفل أصلًا اجتماعيًّا عظيمًا، فإن عامتنا غير منقطعة من العربية الفصحى، ولا يزال فيهم ميراثها من القرآن والحديث وكلام العلماء في أمور دينهم، وهذه هي وسائل مزجهم بالفصيح وردهم إليه، ولا تزال هذه الوسائل تفعل ما تفعله النواميس المحتومة ولولاها لما بقي للفصحى بقية بعد.
وقد كان جاء إلى مصر من بضع سنين رجل من أمريكا هو من تلاميذ الدكتور القدماء، فنزح إلى ذلك البر فاتجر فأثرى وفشت له نعمة عظيمة؛ ولما لقيته لقيت في يده صحيفة وضع فيها مسائل في اللغة والنحو، وكأن أعدها ليسأل عنها؛ وفي أولها هذا السؤال: لماذا يقال فصح الرجل فصاحة فهو فصيح، ثم يقول: شعر شعرًا فهو شاعر؟ ألم يكن القياس أن يقال شعر شعارة فهو شعير، والفصاحة والشعر من باب واحد؟
وهذا السؤال وإن كان في ظاهر الرأي لغوًا وعبثًا ولكنه دقيق في تاريخ اللغة وأقيستها، ولا محل لبسط الكلام عليه في هذا الموضع، غير أني أنهيت الخبر للدكتور صروف وقلت له: إن صاحبك هذا يضع قواعد اللغة في الميزان الذي في حانوته.. وأنت كذلك تعالج بعض الألفاظ أحيانًا ببعض الغازات والحوامض.
قلت هذا؛ لأني لم أسلم له قط فيما كان يراه في مثل البذار والتقاوي، على أنه قيد الكلام بقوله "فيما نكتبه لهم"، وهذا احتراس يدافع عنه بقوة كما ترى.
ولا يمتري أحد في أن هذه النهضة اللغوية التي أدركناها وعملنا فيها لم تكن سوى نمو طبيعي لعمل رجال أفذاذ نظن الدكتور صروف في طليعتهم؛ لأنه كان