للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقديم، وجريء ورجعي، وحر وجامد -إلا من خلاء العصر وفراغه من النفس الكبيرة، وحاجته إلى إمام عظيم؛ ومتى أصبحنا نضرب في دائرة لا مركز لها، فهي المربع وهي المستطيل وهي كل شكل إلا أن تكون الدائرة؛ والذين رأوا طاغور الشاعر الهندي المتصوف حين نزل بمصر، ورأوا سحره وتحويله كل جديد مدة أيام إلى قديم، وإخراسه هذه الألسنة عن نقده ومعارضته، وعن معاندة الحق طيشًا ونزقًا وضلالًا وتجديدًا ... يستطيعون أن يدركوا ما أومأنا إليه، ويتبينوا السر فيما نحن فيه، ويتمثلوا ما كان للشيخ محمد عبده في عصره، بل في خلق عصره.

وانتهى الخضري إلى مدرسة القضاء الشرعي، فألف كتابه في الأصول، اختصر فيه وهذب وقارب، فهو كتاب في هذا العلم لا كتاب هذا العلم، وأساتذة الأصول قوم آخرون لو أنت منهم مثل الشيخ الرافعي الكبير، لرأيت البحر الذي يذهب في ساحله نصف طول الأرض، وقد بعث الخضري على ذلك أن جماعة يومئذ كان منها صديقنا المرحوم حفني ناصف، والشيخ المهدي، وغيرهما، اجتمعوا على إبداع نهضة في التأليف، فذهب ثلاثة منهم بحصة الأدب، وفرغ الخضري للأصول؛ أخبرني بذلك حنفي بك -رحمه الله- ثم لما اختار القائمون على الجامعة المصرية القديمة صديقنا العلامة المؤرخ جورجي زيدان لدرس التاريخ الإسلامي فيها. طار الخبر في الأمة بأنهم اختاروا القنبلة.. وشعر الناس بمعنى الهدم قبل أن يتهدم شيء، فاضطرت الجامعة إلى أن تنحيه، وعهدت في الدرس إلى الأستاذ الخضري، فألقى دروسه التي جمعها في كتابه "تاريخ الأمم الإسلامية". وقال في مقدمة هذا الكتاب: "أرجو أن أكون قد وفقت لتذليل صعوبة كبرى. وهي صعوبة استفادة التاريخ العربي من كتبه"؛ نقول: وعلى أن الشيخ أحسن في كتابه، وجاء بمادة غزيرة من فكره ورأيه، وبسط واختصر، وباعد وقرب، فإن كلمته هذه إما أن تكون أكبر من التاريخ أو أكبر من كتابه.

وردَّ في السنة الماضية على كتاب "الشعر الجاهلي" للدكتور طه حسين، وكان رده خطابًا أراد أن يحاضر به طلبة الجامعة؛ لأنه أستاذ أستاذهم؛ فكأنه أراد جعل أستاذهم هذا تلميذًا معهم، وأبت عليه الجامعة ما أراد، ولعلها فطنت إلى هذا الغرض؛ ولما علم أني شرعت في طبع ردي على الدكتور طه١، كلمني في


١ المعركة تحت راية القرآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>