استلحاق مقاله وجعله ذيلًا في الكتاب، وقدرناه يومئذ في نحو خمسين صفحة أو دونها، وقد سألته أن ينفي منه ما كان في مقادير الرصاص، ويقتصر على ما هو في وزن القنابل، فقال:"كله قنابل"!. ثم اتسع كتابي وجاوز مقداره إلى الضعف، فوسع هو رده وزاد فيه وطبعه في قريب من ضعفه على حدة.
دع كتابه المشهور "مهذب الأغاني"، فهذا لا يقال: إن الشيخ ألفه، بل ألفته خمس عشرة سنة؛ وأظن كل ذلك لا يذكر في جنب الكتاب الذي كان يعمل فيه أخيرًا، وهو كتاب "الأدب المصري"، أخبرني أنه في جزأين ودعاني إلى داره لأرى "المكتبة الخضرية"؛ ولأطلع على هذا الكتاب، فوعدته ولم يقدر لي؛ وقد حدثني أنه معنيٌّ أشد العناية باستجماع الفروق التي يمتاز بها الأدب المصري عن الأدب الحجازي والشامي والعراقي والأندلسي، وأنه أصاب من ذلك أشياء متميزة منذ الدولة الطولونية، يحق لمصر أن تقول فيها: هذا أدبي؛ وكان يكتم خبر هذا الكتاب، حتى أن صديقنا الأستاذ حافظ بك عوض صاحب جريدة "كوكب الشرق"، اقترح عليه أن يكتب فصلًا في الشعراء المصريين وأدبهم يعقده لكتاب حفلة تكريم شوقي بك؛ ثم لقيه بعد ذلك فقال له الشيخ: إن البحث سائر على أحسن وجوهه!
كان الخضري يفرح للقائي ويهش لي، وكنت أتبين في وجهه أشعة روحه الصافية، ولعله كان يرى بي في نفسه ذلك الشيخ الذي أعطاني المجلد، كما كنت أرى به في نفس ذلك التلميذ الذي أخذ المجلد منه! على أن مرجع ذلك في الحق إلى سعة صدره، وفسحة رأيه، وبسطة ذرعه، وسموِّ أدبه وإنصافه؛ فلا يحقد ولا يحسد، ولا يتجاوز قدره، ولا ينزل بأحد عن قدره، ولا يدعي ما لا يحسن؛ وقد عرف قراء "المقتطف" مثلًا من أخلاقه هذه أو أكثرها حتى انتقده صديقنا الأستاذ عبد الرحيم بن محمود، وتناول الجزء الأول من كتابه "مهذب الأغاني" وراح يتقلقل له كجلمود صخر.. فوسعه الشيخ وعني به ورد عليه في "المقتطف"، ونعته بالأستاذ الجهبذ وانتصف منه، وأنصفه معًا. ولقد اقترحت عليه مرة أن يضع كتابًا في حكمة التشريع الإسلامي وفلسفته، فقال لي:"مش قده" يعني أن العمل أكبر منه، ولكن هذا نبهه إلى وضع كتابه في "تاريخ التشريع الإسلامي.
ولما أصدرت الجزء الأول من "تاريخ آداب العرب" في سنة ١٩١١، لم أهده إلى الشيخ، فاشتراه وقرأه، ثم لقيته وسألته رأيه فيه، فقال: "جدًّا كويس"