ظانين أنه غير واقف على الحالات التي كتبها، وآذى المريدين لعيسى إيذاء بليغاً بأن ألف الكتب التي توجد فيها الأغلاط والتناقضات" (١).
وورد في الفصل الثاني عنده أنه يرد على موضوع النسْخ المتهم به الإنجيل من قبل المسلمين بذكر بعض الآيات من القرآن الكريم؛ حيث يستشهد بها على جواز نسخها في القرآن - فقط - وأنه لا توجد آية منها تدل على نسخ القرآن للكتب السابقة مثل: إن نسخ بمعنى أزيل أو أبطل لم يرد في القرآن إلا في موضعين اثنين: الأول من سورة البقرة آية ١٠٦ وهو قوله سبحانه " ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها "، والثاني من سورة الحج آية ٥٢ وهو قوله سبحانه " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته " فلا توجد في الموضع الأول ولا الموضوع الثاني أقل إشارة تدل على أن القرآن ناسخ للكتاب المقدس، بل هو ناسخ لنفسه في بعض أجزائه وأيد قوله ببعض مقولات - ذكرها - لرحمت الله الهندي في كتابه إظهار الحق بأن الزبور ليس بناسخ للتوراة وليس بمنسوخ من الإنجيل. من الواضح أن فندر لا يفرق بين نسخ الأحكام ونسخ العقائد، ويرى أن العهدين القديم والجديد يكملان بعضهما البعض وعلى أساس أنهما لا يمكن نسخهما وأن القرآن - في رأيه - لم يثبت نسخهما فالقرآن بذلك يكون مجرد ناقل.
ذكر أنه قد اقتبس أحد الحواريين مقالة إرميا التي ذكرها آنفا في هذا الصدد، وبين أن ذكر العهد الجديد الذي بشر به إرميا يدل على أن يهود عصره كانوا يعتقدون بأن الطقس الموسوي شاخ وهرم وقارب على الاضمحلال واحتاج إلى العهد الجديد .. انظر رسالة العبرانية ٨: ١٣ ثم يقول: واعلم أن الحق بحسب جوهره ثابت ودائم غير قابل للتبديل أو النسخ، فالحقائق التي وردت في العهد القديم يجب أن تبقى حقا إلى ما لا نهاية .. ولا يقال إنه شرحها وأبرزها في شكلها الروحي الذي يلائم الناس في كل زمان ومكان.
فيرى أن الطقوس يمكن أن تتبدل لتتحول إلى شيء روحاني فهي بذلك لا تنسخ كالبذرة أوالشجرة، فبهذه المعاني قد خرج من دائرة المعنى المراد النسخ إلى دائرة تطرق فيها لدائرة فلسفية بمعان أخرى، فمن المعلوم أن الحقائق لا يمكن أن تنسخ، أما الأحكام فقد يعتريها التغيير تبعا للزمان والمكان؛ أو تبعا لحال الأمم وقت نزول التشريع وعلى ذلك فالنسخ جائز في الأحكام لا في الاعتقادات. لكن فندر يرى أنه لا يجوز النسخ في الأحكام كذلك فضلا عن المعتقد؛ حيث قسم الوصايا إلى طقسية وأدبية، واستنتج أنه كما لا يمكن نسخ الوصايا الأدبية مثل: الزنا والسرقة ... الخ فلا يمكن أن ينسخ الإنجيل أو التوراة، وأن المسيحيين لم يلتزموا فقط بالوصايا الطقسية .. ومن هذا المنطلق فقد غير وصف المعنى في الذبيحة من ذبيحة حيوانية إلى ذبيحة النفس؛ حيث اكتفى المسيحيون بها كما اكتفوا بذبيحة المسيح. كذلك اعتبر دم المسيح هو الغسيل الروحي؛ لأن غسيل الجسد في التوراة غير كاف لتطهير النفس " لتطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح، مكملين القداسة في خوف الله " (٢ - كورنثوس) فلا يمكن اعتبار تطهير الجسد علة لتطهير الروح، ويستدل بذلك على أن الدين للجميع غير مخصوص بأمة في زمان أو مكان معينين وهو بهذا يعد استغناء عن حرفية الشريعة إلى روحانياتها على حسب قوله. كذلك حرف الختان من معناه الحقيقي المادي
(١) المرجع السابق، ص ٧٠ وما بعدها، إظهار الحق، ب ١.