للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: "خلفه ابنه سليمان، وبعد نهاية حكمه ثار عشرة أسباط على خلفه رحبعام، وخرجوا عن طاعته، وشيدوا لهم مملكة هي مملكة إسرائيل " .. كيف يثورون على الأنبياء المعصومين وإن لم يكونوا معصومين، فلم طاعتهم كانت في البداية، وإن أخطأوا فكيف تقبل نقولاتهم، وأنهم مرسلون من قبل الله؟ !

وعلى ما تقدم - يمكننا أن نخلص من التوراة أن مقصد الله في معاملة بني إسرائيل هذه المعاملة، وتسجيل وقائعهم، وتواريخهم الهامة، بين أسفار الوحي في أشياء منها: أولا: أن يظهر لهم، ولأهل العصور المقبلة، أن القلب البشري يميل إلى العصيان والتمرد! "بالرغم من نعم الله"؛ فتلك المقولة تشير إلى تفوق الرجل في مهارة الإلقاء، وجانب الروحانيات، وتهيئة القارئ للحديث عن النصارى وحكايتهم. ثانيا: دليل قبول الكفارة أن الآب أقام الابن من الأموات (يقصد المسيح). ثالثا: يستدل في سورة الأنبياء آية ٩١ (وجعلناها وابنها آية للعالمين) على أن عيسى هو المخلص بقوله (انظر القرآن)؛ أي أن القرآن يشير ويؤكد أن عيسى هو المخلص، وليخلص شعبه من خطاياهم، على أن الآية القرآنية تشير إلى أنها أم، والمسيح ابن لها وليس ابنا لله. يرى أن أسفار العهد القديم والجديد إنما هي إعلان واحد من لدن الله، أما العهد القديم فيشرح لنا كيف دخلت الخطية إلى العالم، وكيف وعد الله بالخلاص منها، وأما العهد الجديد فيشرح كيف أكمل الله ذلك الوعد، وكيف قدم المسيح حياته كفارة عن خطايا العالم. كما يرى أن الأنبياء والرسل ليسوا ملوكا ولا ولاة، بل (منذرين) ينذرون الناس أن يتوبوا عن خطاياهم، ويرجعوا إلى الله الحي، كما أنهم ليسوا بمعصومين من الخطية، وأنه لم يعش أحد معصوما من الخطية سوى المسيح، ولنا الأدلة الكافية على عصمته منها: شهادات الأنبياء، والقرآن، مع نسبته الخطايا للأنبياء الآخرين لم ينسب منها واحدة ليسوع.

استدل ببعض الآيات على عدم عصمة الأنبياء في القرآن وبنصه منها آية (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب) لكن في الحقيقة هي لا تعني ذنبا، وإنما سلب للملك ثم إرجاعه (١) [سورة ص: ٣٤]. كما استدل بعدم عصمة المصطفى. في الحقيقة أن ذنوب الأنبياء تختلف عن ذنوب البشر؛ حيث إنها من باب ترك المستحبات، كما أنها تثبت بشرية المصطفى، وأنه لا يعلم الغيب، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يثبت خطأه، كما أنه معصوم في تبليغ الوحي؛ لأن الرسل معصومين من كبائر الذنوب، كذلك صغائرها، فيما لا تدل على خساسة قدر ... مقارنة بما ذكر في الكتاب المقدس! ويتساءل فندر ويستدل بسورة المعارج آية ١٩ (إن الإنسان خلق هلوعا)! ألا يشمل ذلك عيسى عليه السلام! كذلك سيدنا نوح يستعيذ بالله أن يسأله ما ليس به علم في سورة هود (٤٤ - ٤٧) وأما موسى عليه السلام فقد ظلم نفسه بالخروج ثم بالعودة بعد رؤية الاقتتال، وهو فعل شيطاني. إن قتل الكافر ليس عليه إثم أو دية، وإن ما فعله موسى عليه السلام أنه وكزه فقط، وربما كان استغفار نوح من عجلة العقاب قبل عقاب الله لهم؛ فالعارف غير الإنسان العادي فالمعاملة مختلفة، والرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولا تقارن ذنوبهم بما ذكر في الكتاب المقدس.


(١) انظر: تفسير ابن كثير ج ٧، ص ٦٦ وما بعدها، وكذلك تفسير الطبري ج ٢١، ص ١٩٦ وما بعدها.

<<  <   >  >>