للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مثال:

(مطعن) أن محمد صلى الله عليه وسلم كان مذنباً، وكل مذنب لا يصح أن يكون شافعاً للمذنبين الآخرين (١). أما الصغرى فلما وقع:

في سورة [غافر: ٥٥] {فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار}.

وفي سورة [محمد: ١٩] {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات}.

وفي سورة [الفتح ١ - ٣]: {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}.

وفي الحديث: (فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت) (٢). ونحوه مما وقع في الأحاديث الأخرى.

(والجواب) أن الصغرى والكبرى كلتاهما غير صحيحتين، فالنتيجة كاذبة يقيناً، ويمهد رحمت الله لتوضيح بطلانهما أموراً خمسة:

(الأمر الأول) أن الله رب وخالق، والخلق كله مربوب ومخلوق، فكل ما صدر عن حضرة الرب الخالق في حق العبد المربوب المخلوق، من الخطاب والعتاب والاستعلاء فهو في محله ومقتضى المالكية والخالقية. وكذا كل ما يصدر عن العباد، من الأدعية والتضرعات إليه، فهو في موقعه أيضاً، ومقتضى المخلوقية والعبودية والأنبياء عباد الله المخلصون، فهم أحق من غيرهم، والحمل على المعنى الحقيقي في كل موضع، من أمثال هذه المواضع، في كلام الله وفي أدعية الأنبياء وتضرعاتهم خطأ وضلال وشواهده كثيرة في كتب العهدين، سيما الزبور. وينقل على سبيل الأنموذج بعضاً منها.

(الأمر الثاني) أن أفعال الأنبياء كثيراً ما تكون لتعليم الأمة، لتستن بهم. ولا يكونون محتاجين إلى هذه الأفعال لأجل أنفسهم.

(الأمر الثالث) أن الألفاظ المستعملة في الكتب الشرعية، مثل: الصلاة والزكاة والصوم والحج والنكاح والطلاق وغيرها، يجب أن تحمل على معانيها الشرعية ما لم يمنع عنها مانع، ولفظ الذنب في هذا الاصطلاح الشرعي، إذا استعمل في حق ألأنبياء، يكون بمعنى الزلة؛ وهي عبارة عن أن يقصد معصوم عبادة أو أمراً مباحاً، ويقع بلا قصد وشعور في ذنب لمجاورة العبادة أو الأمر المباح بهذا الذنب، كما أن السالك يكون قصده قطع الطريق، لكنه قد يزل قدمه أو يعثر بسبب طين أو حجر واقع في ذلك الطريق، أو يكون بمعنى ترك الأولى.

(الأمر الرابع) أن وقوع المجاز في كلام الله وكلام الأنبياء كثير، وأن حذف المضاف كثير في كتبهم المقدسة.

(الأمر الخامس) أن الدعاء قد يكون المقصود به محض التعبد كما في قوله تعالى: {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك} [آل عمران: ١٩٤] فإن إيتاء ذلك الشيء واجب، ومع ذلك أمرنا


(١) انظر المرجع السابق، ص ١٣٥٢ ومابعدها.
(٢) رواه عبد الله بن عباس في صحيح البخاري برقم ٦٣١٧.

<<  <   >  >>